بيان خصائص يوم الجمعة الكونية والشرعية - بيان حكم من تكلم والإمام يخطب
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
بيان خصائص يوم الجمعة الكونية والشرعية - بيان حكم من تكلم والإمام يخطب
بيان خصائص يوم الجمعة الكونية والشرعية - بيان حكم من تكلم والإمام يخطب
الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وجعله عيداً لأيامه فاختصه بخصائص جليلة ليعرف المؤمنون قدره فيقوموا به على الوجه المشروع وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له منه المبتدى واليه الرجوع وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أهدى داع وأجل متبوع صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الهدى والتقى والخضوع وسلم تسليم كثيراً ...
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن لله الأمر كله وبيده الخير كله يخلق ما يشاء ويختار والله ذو الفضل العظيم واشكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم بما خصكم به من الفضائل التي لم تكن لأحد من الأمم سواكم خصكم بهذه الملة الحنيفة السمحة هي أكمل الملل وأتمها وأقومها بمصالح العباد إلى يوم القيامة أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم التمسك بها والثبات عليها إلى يوم نلقاه إنه على كل شيء قدير ومما خصكم الله به من الفضائل هذا اليوم يوم الجمعة الذي ضل عنه اليهود والنصارى وهداكم الله له فكان الناس تبعاً لكم مع سبقهم في الزمن فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد أما نحن ولله الحمد فيومنا يوم الجمعة الذي جعله الله لنا واختصنا به وصار الناس لنا تبعاً فلله الحمد والمنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَأَضَلَّ النَّاسَ عَنْهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هَوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ" (1) وقد خصَّ الله تعالى هذا اليوم بخصائص كونية وخصائص شرعية فمن خصائصه الكونية ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال عن يوم الجمعة: "فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ " (2) وفي هذا اليوم ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائمٌ يُصلي فيسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه" (3) وأرجى الساعات لإجابة الدعوات ساعتكم هذه وهي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة كما في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي ما بين أن يجلس الإمام -يعني على المنبر- إلى أن تقضى الصلاة" (4) ووجه المناسبة أن الناس في هذه الساعة يجتمعون على إمام واحد في موعظة واحدة في صلاة واحدة أكبر جمع في البلد لذلك كانت هذه الساعة أرجى ساعات يوم الجمعة في الإجابة وكذلك "ما بعد صلاة العصر إلى الغروب" (5) ومن خصائص هذا اليوم الشرعية أن فيه صلاة الجمعة التي دل الكتاب والسنة على فرضيتها وأجمع المسلمون على ذلك قال الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الجمعة: 9-10] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ" (6) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه" (7) وقد خص الله تعالى هذه الصلاة أعني صلاة الجمعة بخصائص تدل على أهميتها والعناية بها فمن ذلك الغسل لها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "( أي: على كل بالغ وقال: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ "(9) ودخل عثمان بن عفان ذات جمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس فعرض عمر به وقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضاً ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ " (10) ومن خصائص صلاة الجمعة أنه يُشرع التطيب لها ولبس أحسن الثياب ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنه قال: " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ - إِنْ كَانَ عِنْدَهُ - وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَداً ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّىَ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى "(11) ومن خصائص هذه الصلاة الثواب الخاص في التبكير إليها ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم قال: " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ-يعني مثل غسل الجنابة- ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " (12) وفي رواية: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " (13) ومن خصائص هذه الصلاة وجوب الحضور إليها على من تلزمه من الرجال البالغين العقلاء عند سماع الأذان لها لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ" [الجمعة: 9] فلا يجوز التشاغل بعد الأذان الثاني ببيع ولا شراء ولا غيرهما ولا يصح شيء من العقود الواقعة ممن يلزمه الحضور ولو كان في طريقه إلى المسجد يعني لو كان رجلان قد أقبلا إلى مسجد جامع يريدان أن يُصليا فيه بعد الأذان الثاني وتبايعا شيئاً فإن البيع حرام باطل لا يثبت به الملك للمشتري في المبيع ولا البائع في الثمن وعليهما أن يترادا هذا البيع ويبتاعان من جديد بعد الصلاة ومن خصائص هذه الصلاة وجوب تقدم خطبتين يتضمنان موعظة الناس بما تقتضيه الحال ووجوب استماع هاتين الخطبتين على كل من يلزمه الحضور لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " (14) وروي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ "(15) أي: أنه يحرم من ثواب الجمعة ولكن لا تلزمه الإعادة لأنه مجزئه.
أيها الأخ المسلم لا تُكلم أحداً والإمام يخطب لا بسلام ولا برد سلام ولا بتشميت عاطس ولا غير ذلك إلا مع الخطيب إذا كلمه الخطيب أو كلم هو الخطيب لحاجة أو مصلحة، ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تصلى في السفر أي أن المسافرين إذا كانوا ماشين في البر فإنهم لا يصلون صلاة الجمعة أما إذا كانوا في بلد تقيم الجمعة فإنهم يلزمهم حضورها وصلاتها مع الناس لأن الله تعالى قال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" [الجمعة: 9] والمسافر الذي في البلد هو من المؤمنين الذين خُوطبوا بهذا الخطاب. ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تُجمع مع العصر ولا يُجمع العصر معها لأنها صلاة مستقلة منفردة بأحكام خاصة والجمع الذي جاءت به السُّنة إنما هو بين الظهر والعصر ولا يصح قياس الجمعة على الظهر لأن ذلك مخالف لظاهر السُّنة ولا قياس مع السُّنة ووجه مخالفته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يجمع العصر إليها في المطر لا عند نزوله ولا بعد وجود الوحل ولا يصح القياس من وجه آخر أيضا لتباين أحكام الصلاتين الظهر والجمعة والقياس إنما يكون بين شيئين متماثلين ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تُقام في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة بخلاف غيرها من الصلوات فتقام جماعتها في كل حي وذلك لأن تعدد الجمع لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين بل كان الناس يأتون من العوالي ونحوها لصلاة الجمعة قيل للإمام أحمد أيُجمع جمعتان في مصر قال لا أعلم أحداً فعله وقال ابن المنذر رحمه الله: لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تُصلى في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رحمه الله وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تُصلى إلا في مكان واحد وقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد أن أول جمعة أُحدثت في الإسلام في بلد واحد مع قيام الجمعة القديمة كان في أيام المعتضد سنة ثمانين ومائتين أي في آخر القرن الثالث الهجري وذلك لأن تعدد الجمع تفوت به مصلحة المسلمين باجتماعهم على هذه الصلاة في مكان واحد على إمام واحد ويصدرون عن موعظة واحدة ويكون في ذلك عز واعتزاز برؤية بعضهم بعضاً بهذه الكثرة أما تمزيق المسلمين بكثرة الجمع فهذا خلاف ما يهدف إليه الشرع المطهر وقد بلغني أن في بعض البلاد يُقِيمون الجمعة في كل مسجد حي ولا شك أن هذا خطأ مخالف للسُّنة ومخالف لعمل المسلمين في خلال ثلاثة قرون ولكن لو سألنا سائل إذا تعددت الجمع في غير حاجة فماذا نصنع؟ الجواب: اذهب إلى الجمعة الأولى التي أُقيمت أولاً لأن ما بعدها حابس عليه فهو مثل مسجد الضرار لا يُصلى فيه ولكن إذا لم يمكن هذا فصلِّ في أي مسجد شئت والذنب على من أذن في تعدد الجمع أما عامة الناس فليس في أيديهم حيلة وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تعددت الجمع في غير موضع فإنهم إذا صلوا الجمعة يصلون ظهراً لأن الجمعات لا تصح ولا يلغي أيها السابق لتكبيرة الإحرام وحينئذٍ تكون كل صلاة جمعة غير مؤدية ولا مبرئه للذمة فيقيمون بعدها ظهراً كما نسمع ذلك في بعض البلاد الإسلامية إلى اليوم ولكن هذا لا شك أنه بدعة لأنه غلط لأن الجمعة تصح ولو مع تعددها ولكن الإثم على من أذن في ذلك وفي صلاة الجمعة تُقرأُ بعد الفاتحة سورة الجمعة كاملة في الركعة الأولى وسورة المنافقين كاملة في الركعة الثانية أو سورة سبح في الركعة الأولى وسورة الغاشية في الركعة الثانية صح ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما ما يفعله بعض الأئمة الذين يستحسنون ما لم يكن حسناً فيقرؤون في صلاة الجمعة ما يناسب الخطبة فهذا بدعة لا أصل له لأنه لو كان خيراً لكان أول ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن الخصائص الشرعية ليوم الجمعة أنه تُسن القراءة في فجرها بسورة الم تنزيل السجدة كاملة في الركعة الأولى وسورة هل أتى على الإنسان في الركعة الثانية ومن الخصائص لهذا اليوم أنه لا يخصص نهاره بصيام ولا ليلته بقيام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، إلا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ " (16) ودخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها: « أَصُمْتِ أَمْسِ » . قَالَتْ لاَ . قَالَ « تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِى غَدًا »-يعني يوم السبت- . قَالَتْ لاَ . قَالَ « فَأَفْطِرِى " (17) ولكن إن صامه من غير تخصيص كالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً فيصادف صومه يوم الجمعة أو أن تكون الجمعة يوم عرفة أو يوم عاشوراء فإن هذا لا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين نهى عن صومه: "إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ "(18) ومن الخصائص الشرعية لهذا اليوم أنه تسن فيه قراءة سورة الكهف سواء كان ذلك قبل صلاة الجمعة أم بعدها لورود أحاديث تدل على فضل ذلك(19). ومن الخصائص الشرعية لهذا اليوم أنه ينبغي فيه كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى اله سلم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ" (20) اللهم صلِّ على محمد اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، عباد الله إن يومكم هذا يومٌ عظيم فعظموه كثير الخيرات فاغتنموه فضلكم الله به على غيركم فاشكروه اللهم وفقنا للفقه في دينك والعمل بطاعتك وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدأ الصباح وأنور وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله، استمعتم إلى ما ذكر في الخطبة الأولى من أن الإنسان لا يحل له أن يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب حتى لو سمع أحداً يتكلم فإنه لا يحل له أن يقول له أنصت ولكن إذا استمر يتكلم وشوش على الناس فإنه يُخاطِب الخطيب ويقال له: إن هناك كلاماً والخطيب هو الذي يسكتهم لأن مخاطبة الخطيب في هذه الحال جائزة لدعاء الحاجة إليها وأما إذا قال أحد المستمعين: أنصت فإنه قد حُرِمَ من أجر الجمعة والحكمة في هذا أنه إذا قال أنصت صار هناك كلامان كلام الأول وكلام الثاني ثم ربما يرد الأول على الثاني ويقول: لا أنصت، فيحصل اللغط والكلام الطويل؛ لذلك كان من الحكمة أن لا تُسكت أحداً يتكلم والإمام يخطب ولكن إن بقي مستمراً على كلامه وشوش على الناس فالكلام إذاً مع الخطيب وللخطيب أن يكلم من يتكلم مباشرة وله أن يعرض به وله أن يخرجه من المسجد إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأنه مؤذٍ وكل مؤذٍ فإنه يدافع بالتي هي أحسن حتى تزول أذيته والثاني استمعتم أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري بعد أذان الجمعة والمراد الأذان الثاني الذي يكون عند حضور الخطيب وذلك لأن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر رضي الله عنهما كانوا لا يؤذنون إلا أذاناً واحداً عند حضور الخطيب، ولما كثر الناس واتسعت المدينة أمر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بزيادة أذان آخر حتى يتسنى للناس أن يحضروا إلى المسجد ولقد نبغت نابغة صغيرة، صغيرة في العلم، صغيرة في الفهم، صغيرة في الأدب، وقالوا: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: إن هذا غلط منهم؛ لأن ما سنه الخلفاء الراشدون أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باتباعه بل حث عليه فقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (21) ولا شك أن عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين بل هو ثالث الأربعة ونقول أيضاً إن السبب الذي من أجله أمر عثمان رضي الله عنه بزيادة الأذان الأول لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى يقال: إن سُنَّة عثمان خالفت سُنَّة النبي؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن الناس كثيرين في عهده ونقول أيضا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لبلال رضي الله عنه في رمضان أن يُأذن قبل الفجر مع أن وقت الصلاة لم يدخل وقال صلى الله عليه وسلم: "إن بلال يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"(22) والمهم: أني أنصح إخواننا الذين يتسرعون في مثل هذه الأمور أن يتقوا الله في أنفسهم أولاً ويتقوا الله تعالى في أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى لا تبدع الخلفاء الراشدين وحتى لا تنتقد الخلفاء الراشدين وحتى لا يهبط ميزان الخلفاء الراشدين لأنه إذا قيل مثل هذا في خليفة راشد رضي به المؤمنون خليفة لهم بعد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن ذلك سوف يقلل من هيبته ومقاله وهيبته وسنته رضي الله عنه ألا فليتقوا الله ألا فليتقوا الله ألا فليتقوا الله ولقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الحموية قال إنه يقال: "ما أفسد الدنيا إلا أربعة: نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب" أما نصف المتكلم فقد أفسد الأديان؛ لأن المتكلمين يتكلمون في العقائد بغير حق فيفسدون الأديان، ولكن الذين بلغوا ذروة علم الكلام رجعوا إلى الصواب؛ لأنهم عرفوا بطلانه والبلاء من نصف المتكلم، وأما نصف الفقيه فإنه يفسد البلدان لأنه يحكم بغير حق ويفتي بغير حق، فيفسد الأمة، وأما نصف النحوي الذي يتعلم العربية ولكنه لا يجيدها فإنه يفسد اللسان؛ لأنه يريد أن يتكلم بالعربية بدل العامية ولكنه يضيع العامية ولا يستفيد من العربية، أما نصف الطبيب فإنه يفسد الأبدان لأنه محترف ولا يعرف من الطب إلا قليلاً فيصف الدواء للمريض وفيه مرضه ألا فليتق الله هؤلاء ولا يتعجلوا في الفتوى ولا يتعجلوا في الكلام في الصحابة رضي الله عنهم ولا سيما الخلفاء الراشدون فإنهم إن فعلوا ذلك فإنهم يخشى أن يكونوا آثمين أسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ويرزقنا الأدب مع سلفنا الصالح حتى نكون أمة آخرها كأولها واعلموا " أنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكل محدثة -يعني في دين الله – بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة"(23) اجتمعوا على دين الله ولا تفرقوا فيه حتى تكونوا أمة واحدة كما أريد ذلك منكم وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم في كل آن فإن "من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرة" اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين الصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان يا رب العالمين، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، وأصلح للولاة بطانتهم، اللهم اهدهم ووفقهم للحق ووفقهم لاتباعه يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر إخواننا في الشيشان، اللهم انصرهم على الروس الملحدين، اللهم انصرهم على الروس الملحدين، اللهم دمر جنود الروس الملحدين يا رب العالمين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم إنا نسألك في هذه الثورة في بلاد باكستان أن تجعلها مباركة، ليس فيها دماءُ ولا نهب ولا فساد يا رب العالمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق بمنك وكرمك إنك على كل شيء قدير، "رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار" [البقرة: 201] "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" [آل عمران: 8] والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------
(1) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في باقي مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (10305)، والترمذي، في كتاب الجمعة (450)، والنسائي في كتاب الجمعة (1356)، ومسلم في كتاب الجمعة (1410)، واللفظ للإمام أحمد رحمه الله تعالى. ت ط ع.
(2) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1411) ت ط ع.
(3) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (883)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1260)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، واللفظ له ت ط ع.
(4) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1409)، وأبو داود رحمه الله تعالى، في كتاب الصلاة، واللفظ له (885) ت ط ع.
(5) أخرجه الترمذي رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (453)، وما ثبت عند الترمذي رحمه الله تعالى، من حديث عبد الله بن سلام حينما سأله أبو هريرة رضي الله تعالى عنهما عن وقتها فأخبره وقال هي (453).
(6) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب الجمعة، من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم (1432).
(7) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند الكوفيين، من حديث أبي الجعد رضي الله تعالى عنه (14951)، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (888)، والنسائي في كتاب الجمعة (1352)، والترمذي في كتاب الجمعة (460)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1115)، والدارمي في كتاب الصلاة (1525) رحمهم الله أجمعين.
( أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (846)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1357)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه.
(9) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (838).
(10) نفس الحديث السابق.
(11) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في باقي مسند الأنصار، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه (22468) واللفظ له.
(12) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (832)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1403)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(13) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب بدء الخلق (2972)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1416)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(14) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (882)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1404)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(15) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند بني هاشم، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (1929)، وأخرجه البزار، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (644)، وانظر إلى الترغيب والترهيب للمنذري (1/292)، وانظر إليه في مجمع الزوائد للهيثمي (2/84).
(16) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الصوم (1849)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله، في كتاب الصوم (1929)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع.
(17) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في باقي مسند الأنصار (2553)، وأخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الصوم (1850)، وأبو داود في سننه، في كتاب الصوم (2069)، من حديث جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها ت ط ع.
(18) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الصوم، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1930) ت ط ع.
(19) أخرجه الإمام الدارمي في سننه، في كتاب فضائل القرآن الكريم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه موقوفاً عليه (3273) ت ط ع
(20) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، في مسند المدنيين (55575)، والنسائي في كتاب الجمعة (1357)، وأبو داود في كتاب الصلاة (883)، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز (1626)، والدارمي في الصلاة (1526)، من حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه.
(21) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند الشاميين (16519)، والترمذي في كتاب العلم (2600)، وابن ماجه في كتاب المقدمة (42-43)، وأبو داود في كتاب السنة (3991)، والدارمي في كتاب المقدمة (95)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه ت ط ع.
(22) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الشهادات (2463)، والإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الصيام (1827)، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(23) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين (14455)، ومسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1435)، والنسائي، في كتاب صلاة العيدين (1560)، وأبو داود، في كتاب الخراج والإمارة والفيء (2565)، وابن ماجه، في كتاب المقدمة (44)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
منقول
الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع وجعله عيداً لأيامه فاختصه بخصائص جليلة ليعرف المؤمنون قدره فيقوموا به على الوجه المشروع وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له منه المبتدى واليه الرجوع وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أهدى داع وأجل متبوع صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الهدى والتقى والخضوع وسلم تسليم كثيراً ...
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن لله الأمر كله وبيده الخير كله يخلق ما يشاء ويختار والله ذو الفضل العظيم واشكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم بما خصكم به من الفضائل التي لم تكن لأحد من الأمم سواكم خصكم بهذه الملة الحنيفة السمحة هي أكمل الملل وأتمها وأقومها بمصالح العباد إلى يوم القيامة أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم التمسك بها والثبات عليها إلى يوم نلقاه إنه على كل شيء قدير ومما خصكم الله به من الفضائل هذا اليوم يوم الجمعة الذي ضل عنه اليهود والنصارى وهداكم الله له فكان الناس تبعاً لكم مع سبقهم في الزمن فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد أما نحن ولله الحمد فيومنا يوم الجمعة الذي جعله الله لنا واختصنا به وصار الناس لنا تبعاً فلله الحمد والمنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَأَضَلَّ النَّاسَ عَنْهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هَوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَلِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ" (1) وقد خصَّ الله تعالى هذا اليوم بخصائص كونية وخصائص شرعية فمن خصائصه الكونية ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال عن يوم الجمعة: "فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ " (2) وفي هذا اليوم ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائمٌ يُصلي فيسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه" (3) وأرجى الساعات لإجابة الدعوات ساعتكم هذه وهي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة كما في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي ما بين أن يجلس الإمام -يعني على المنبر- إلى أن تقضى الصلاة" (4) ووجه المناسبة أن الناس في هذه الساعة يجتمعون على إمام واحد في موعظة واحدة في صلاة واحدة أكبر جمع في البلد لذلك كانت هذه الساعة أرجى ساعات يوم الجمعة في الإجابة وكذلك "ما بعد صلاة العصر إلى الغروب" (5) ومن خصائص هذا اليوم الشرعية أن فيه صلاة الجمعة التي دل الكتاب والسنة على فرضيتها وأجمع المسلمون على ذلك قال الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [الجمعة: 9-10] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ" (6) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه" (7) وقد خص الله تعالى هذه الصلاة أعني صلاة الجمعة بخصائص تدل على أهميتها والعناية بها فمن ذلك الغسل لها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ "( أي: على كل بالغ وقال: "إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ "(9) ودخل عثمان بن عفان ذات جمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس فعرض عمر به وقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضاً ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ " (10) ومن خصائص صلاة الجمعة أنه يُشرع التطيب لها ولبس أحسن الثياب ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنه قال: " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ - إِنْ كَانَ عِنْدَهُ - وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَداً ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّىَ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى "(11) ومن خصائص هذه الصلاة الثواب الخاص في التبكير إليها ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم قال: " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ-يعني مثل غسل الجنابة- ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " (12) وفي رواية: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ " (13) ومن خصائص هذه الصلاة وجوب الحضور إليها على من تلزمه من الرجال البالغين العقلاء عند سماع الأذان لها لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ" [الجمعة: 9] فلا يجوز التشاغل بعد الأذان الثاني ببيع ولا شراء ولا غيرهما ولا يصح شيء من العقود الواقعة ممن يلزمه الحضور ولو كان في طريقه إلى المسجد يعني لو كان رجلان قد أقبلا إلى مسجد جامع يريدان أن يُصليا فيه بعد الأذان الثاني وتبايعا شيئاً فإن البيع حرام باطل لا يثبت به الملك للمشتري في المبيع ولا البائع في الثمن وعليهما أن يترادا هذا البيع ويبتاعان من جديد بعد الصلاة ومن خصائص هذه الصلاة وجوب تقدم خطبتين يتضمنان موعظة الناس بما تقتضيه الحال ووجوب استماع هاتين الخطبتين على كل من يلزمه الحضور لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " (14) وروي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ "(15) أي: أنه يحرم من ثواب الجمعة ولكن لا تلزمه الإعادة لأنه مجزئه.
أيها الأخ المسلم لا تُكلم أحداً والإمام يخطب لا بسلام ولا برد سلام ولا بتشميت عاطس ولا غير ذلك إلا مع الخطيب إذا كلمه الخطيب أو كلم هو الخطيب لحاجة أو مصلحة، ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تصلى في السفر أي أن المسافرين إذا كانوا ماشين في البر فإنهم لا يصلون صلاة الجمعة أما إذا كانوا في بلد تقيم الجمعة فإنهم يلزمهم حضورها وصلاتها مع الناس لأن الله تعالى قال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" [الجمعة: 9] والمسافر الذي في البلد هو من المؤمنين الذين خُوطبوا بهذا الخطاب. ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تُجمع مع العصر ولا يُجمع العصر معها لأنها صلاة مستقلة منفردة بأحكام خاصة والجمع الذي جاءت به السُّنة إنما هو بين الظهر والعصر ولا يصح قياس الجمعة على الظهر لأن ذلك مخالف لظاهر السُّنة ولا قياس مع السُّنة ووجه مخالفته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يجمع العصر إليها في المطر لا عند نزوله ولا بعد وجود الوحل ولا يصح القياس من وجه آخر أيضا لتباين أحكام الصلاتين الظهر والجمعة والقياس إنما يكون بين شيئين متماثلين ومن خصائص صلاة الجمعة أنها لا تُقام في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة بخلاف غيرها من الصلوات فتقام جماعتها في كل حي وذلك لأن تعدد الجمع لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين بل كان الناس يأتون من العوالي ونحوها لصلاة الجمعة قيل للإمام أحمد أيُجمع جمعتان في مصر قال لا أعلم أحداً فعله وقال ابن المنذر رحمه الله: لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تُصلى في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رحمه الله وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وأنها لا تُصلى إلا في مكان واحد وقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد أن أول جمعة أُحدثت في الإسلام في بلد واحد مع قيام الجمعة القديمة كان في أيام المعتضد سنة ثمانين ومائتين أي في آخر القرن الثالث الهجري وذلك لأن تعدد الجمع تفوت به مصلحة المسلمين باجتماعهم على هذه الصلاة في مكان واحد على إمام واحد ويصدرون عن موعظة واحدة ويكون في ذلك عز واعتزاز برؤية بعضهم بعضاً بهذه الكثرة أما تمزيق المسلمين بكثرة الجمع فهذا خلاف ما يهدف إليه الشرع المطهر وقد بلغني أن في بعض البلاد يُقِيمون الجمعة في كل مسجد حي ولا شك أن هذا خطأ مخالف للسُّنة ومخالف لعمل المسلمين في خلال ثلاثة قرون ولكن لو سألنا سائل إذا تعددت الجمع في غير حاجة فماذا نصنع؟ الجواب: اذهب إلى الجمعة الأولى التي أُقيمت أولاً لأن ما بعدها حابس عليه فهو مثل مسجد الضرار لا يُصلى فيه ولكن إذا لم يمكن هذا فصلِّ في أي مسجد شئت والذنب على من أذن في تعدد الجمع أما عامة الناس فليس في أيديهم حيلة وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا تعددت الجمع في غير موضع فإنهم إذا صلوا الجمعة يصلون ظهراً لأن الجمعات لا تصح ولا يلغي أيها السابق لتكبيرة الإحرام وحينئذٍ تكون كل صلاة جمعة غير مؤدية ولا مبرئه للذمة فيقيمون بعدها ظهراً كما نسمع ذلك في بعض البلاد الإسلامية إلى اليوم ولكن هذا لا شك أنه بدعة لأنه غلط لأن الجمعة تصح ولو مع تعددها ولكن الإثم على من أذن في ذلك وفي صلاة الجمعة تُقرأُ بعد الفاتحة سورة الجمعة كاملة في الركعة الأولى وسورة المنافقين كاملة في الركعة الثانية أو سورة سبح في الركعة الأولى وسورة الغاشية في الركعة الثانية صح ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما ما يفعله بعض الأئمة الذين يستحسنون ما لم يكن حسناً فيقرؤون في صلاة الجمعة ما يناسب الخطبة فهذا بدعة لا أصل له لأنه لو كان خيراً لكان أول ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن الخصائص الشرعية ليوم الجمعة أنه تُسن القراءة في فجرها بسورة الم تنزيل السجدة كاملة في الركعة الأولى وسورة هل أتى على الإنسان في الركعة الثانية ومن الخصائص لهذا اليوم أنه لا يخصص نهاره بصيام ولا ليلته بقيام لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، إلا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ " (16) ودخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها: « أَصُمْتِ أَمْسِ » . قَالَتْ لاَ . قَالَ « تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِى غَدًا »-يعني يوم السبت- . قَالَتْ لاَ . قَالَ « فَأَفْطِرِى " (17) ولكن إن صامه من غير تخصيص كالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً فيصادف صومه يوم الجمعة أو أن تكون الجمعة يوم عرفة أو يوم عاشوراء فإن هذا لا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين نهى عن صومه: "إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ "(18) ومن الخصائص الشرعية لهذا اليوم أنه تسن فيه قراءة سورة الكهف سواء كان ذلك قبل صلاة الجمعة أم بعدها لورود أحاديث تدل على فضل ذلك(19). ومن الخصائص الشرعية لهذا اليوم أنه ينبغي فيه كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى اله سلم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ" (20) اللهم صلِّ على محمد اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، عباد الله إن يومكم هذا يومٌ عظيم فعظموه كثير الخيرات فاغتنموه فضلكم الله به على غيركم فاشكروه اللهم وفقنا للفقه في دينك والعمل بطاعتك وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدأ الصباح وأنور وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله، استمعتم إلى ما ذكر في الخطبة الأولى من أن الإنسان لا يحل له أن يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب حتى لو سمع أحداً يتكلم فإنه لا يحل له أن يقول له أنصت ولكن إذا استمر يتكلم وشوش على الناس فإنه يُخاطِب الخطيب ويقال له: إن هناك كلاماً والخطيب هو الذي يسكتهم لأن مخاطبة الخطيب في هذه الحال جائزة لدعاء الحاجة إليها وأما إذا قال أحد المستمعين: أنصت فإنه قد حُرِمَ من أجر الجمعة والحكمة في هذا أنه إذا قال أنصت صار هناك كلامان كلام الأول وكلام الثاني ثم ربما يرد الأول على الثاني ويقول: لا أنصت، فيحصل اللغط والكلام الطويل؛ لذلك كان من الحكمة أن لا تُسكت أحداً يتكلم والإمام يخطب ولكن إن بقي مستمراً على كلامه وشوش على الناس فالكلام إذاً مع الخطيب وللخطيب أن يكلم من يتكلم مباشرة وله أن يعرض به وله أن يخرجه من المسجد إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأنه مؤذٍ وكل مؤذٍ فإنه يدافع بالتي هي أحسن حتى تزول أذيته والثاني استمعتم أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري بعد أذان الجمعة والمراد الأذان الثاني الذي يكون عند حضور الخطيب وذلك لأن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر رضي الله عنهما كانوا لا يؤذنون إلا أذاناً واحداً عند حضور الخطيب، ولما كثر الناس واتسعت المدينة أمر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بزيادة أذان آخر حتى يتسنى للناس أن يحضروا إلى المسجد ولقد نبغت نابغة صغيرة، صغيرة في العلم، صغيرة في الفهم، صغيرة في الأدب، وقالوا: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: إن هذا غلط منهم؛ لأن ما سنه الخلفاء الراشدون أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باتباعه بل حث عليه فقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (21) ولا شك أن عثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين بل هو ثالث الأربعة ونقول أيضاً إن السبب الذي من أجله أمر عثمان رضي الله عنه بزيادة الأذان الأول لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى يقال: إن سُنَّة عثمان خالفت سُنَّة النبي؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن الناس كثيرين في عهده ونقول أيضا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لبلال رضي الله عنه في رمضان أن يُأذن قبل الفجر مع أن وقت الصلاة لم يدخل وقال صلى الله عليه وسلم: "إن بلال يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"(22) والمهم: أني أنصح إخواننا الذين يتسرعون في مثل هذه الأمور أن يتقوا الله في أنفسهم أولاً ويتقوا الله تعالى في أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى لا تبدع الخلفاء الراشدين وحتى لا تنتقد الخلفاء الراشدين وحتى لا يهبط ميزان الخلفاء الراشدين لأنه إذا قيل مثل هذا في خليفة راشد رضي به المؤمنون خليفة لهم بعد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن ذلك سوف يقلل من هيبته ومقاله وهيبته وسنته رضي الله عنه ألا فليتقوا الله ألا فليتقوا الله ألا فليتقوا الله ولقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الحموية قال إنه يقال: "ما أفسد الدنيا إلا أربعة: نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب" أما نصف المتكلم فقد أفسد الأديان؛ لأن المتكلمين يتكلمون في العقائد بغير حق فيفسدون الأديان، ولكن الذين بلغوا ذروة علم الكلام رجعوا إلى الصواب؛ لأنهم عرفوا بطلانه والبلاء من نصف المتكلم، وأما نصف الفقيه فإنه يفسد البلدان لأنه يحكم بغير حق ويفتي بغير حق، فيفسد الأمة، وأما نصف النحوي الذي يتعلم العربية ولكنه لا يجيدها فإنه يفسد اللسان؛ لأنه يريد أن يتكلم بالعربية بدل العامية ولكنه يضيع العامية ولا يستفيد من العربية، أما نصف الطبيب فإنه يفسد الأبدان لأنه محترف ولا يعرف من الطب إلا قليلاً فيصف الدواء للمريض وفيه مرضه ألا فليتق الله هؤلاء ولا يتعجلوا في الفتوى ولا يتعجلوا في الكلام في الصحابة رضي الله عنهم ولا سيما الخلفاء الراشدون فإنهم إن فعلوا ذلك فإنهم يخشى أن يكونوا آثمين أسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ويرزقنا الأدب مع سلفنا الصالح حتى نكون أمة آخرها كأولها واعلموا " أنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكل محدثة -يعني في دين الله – بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة"(23) اجتمعوا على دين الله ولا تفرقوا فيه حتى تكونوا أمة واحدة كما أريد ذلك منكم وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم في كل آن فإن "من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرة" اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين الصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان يا رب العالمين، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، وأصلح للولاة بطانتهم، اللهم اهدهم ووفقهم للحق ووفقهم لاتباعه يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر إخواننا في الشيشان، اللهم انصرهم على الروس الملحدين، اللهم انصرهم على الروس الملحدين، اللهم دمر جنود الروس الملحدين يا رب العالمين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم إنا نسألك في هذه الثورة في بلاد باكستان أن تجعلها مباركة، ليس فيها دماءُ ولا نهب ولا فساد يا رب العالمين، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق بمنك وكرمك إنك على كل شيء قدير، "رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار" [البقرة: 201] "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" [آل عمران: 8] والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------
(1) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في باقي مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (10305)، والترمذي، في كتاب الجمعة (450)، والنسائي في كتاب الجمعة (1356)، ومسلم في كتاب الجمعة (1410)، واللفظ للإمام أحمد رحمه الله تعالى. ت ط ع.
(2) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1411) ت ط ع.
(3) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (883)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1260)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، واللفظ له ت ط ع.
(4) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1409)، وأبو داود رحمه الله تعالى، في كتاب الصلاة، واللفظ له (885) ت ط ع.
(5) أخرجه الترمذي رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (453)، وما ثبت عند الترمذي رحمه الله تعالى، من حديث عبد الله بن سلام حينما سأله أبو هريرة رضي الله تعالى عنهما عن وقتها فأخبره وقال هي (453).
(6) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، في كتاب الجمعة، من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم (1432).
(7) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند الكوفيين، من حديث أبي الجعد رضي الله تعالى عنه (14951)، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (888)، والنسائي في كتاب الجمعة (1352)، والترمذي في كتاب الجمعة (460)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (1115)، والدارمي في كتاب الصلاة (1525) رحمهم الله أجمعين.
( أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (846)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1357)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه.
(9) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (838).
(10) نفس الحديث السابق.
(11) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في باقي مسند الأنصار، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه (22468) واللفظ له.
(12) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (832)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1403)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(13) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب بدء الخلق (2972)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1416)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(14) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (882)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1404)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
(15) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند بني هاشم، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (1929)، وأخرجه البزار، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (644)، وانظر إلى الترغيب والترهيب للمنذري (1/292)، وانظر إليه في مجمع الزوائد للهيثمي (2/84).
(16) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الصوم (1849)، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله، في كتاب الصوم (1929)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ت ط ع.
(17) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في باقي مسند الأنصار (2553)، وأخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الصوم (1850)، وأبو داود في سننه، في كتاب الصوم (2069)، من حديث جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها ت ط ع.
(18) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الصوم، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (1930) ت ط ع.
(19) أخرجه الإمام الدارمي في سننه، في كتاب فضائل القرآن الكريم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه موقوفاً عليه (3273) ت ط ع
(20) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، في مسند المدنيين (55575)، والنسائي في كتاب الجمعة (1357)، وأبو داود في كتاب الصلاة (883)، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز (1626)، والدارمي في الصلاة (1526)، من حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه.
(21) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند الشاميين (16519)، والترمذي في كتاب العلم (2600)، وابن ماجه في كتاب المقدمة (42-43)، وأبو داود في كتاب السنة (3991)، والدارمي في كتاب المقدمة (95)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه ت ط ع.
(22) أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، في كتاب الشهادات (2463)، والإمام مسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الصيام (1827)، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(23) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده، في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين (14455)، ومسلم رحمه الله تعالى، في كتاب الجمعة (1435)، والنسائي، في كتاب صلاة العيدين (1560)، وأبو داود، في كتاب الخراج والإمارة والفيء (2565)، وابن ماجه، في كتاب المقدمة (44)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
منقول
زكريا محمد وحيد- عدد المساهمات : 1167
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 74
الموقع : العباسيه القاهره
مواضيع مماثلة
» التفكر في آيات الله الكونية وإنها أعظم دليل على وحدانية الله عز وجل ـ ذكر الله سبحانه وتعالى ومحبته يكون بالقلب واللسان والجوارح
» فضل يوم الجمعة
» الدولة العباسية/خصائص الحضارة الإسلامية في العهد العباسي
» باب بيان كثرة طرق الخير الحديث الثالث عشر
» بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية
» فضل يوم الجمعة
» الدولة العباسية/خصائص الحضارة الإسلامية في العهد العباسي
» باب بيان كثرة طرق الخير الحديث الثالث عشر
» بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى