باب بيان كثرة طرق الخير الحديث الثالث عشر
صفحة 1 من اصل 1
باب بيان كثرة طرق الخير الحديث الثالث عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل معروف صدقة ) رواه البخاري ، ورواه مسلم من رواية حذيفة رضي الله عنه(146) .
الشرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله في باب كثرة طرق الخيرات ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل معروف صدقة ) .
المعروف : ما عرف في الشرع حسنه إن كان مما يتعبد به لله ، وإن كان مما يتعامل به الناس فهو مما تعارف الناس على حسنه ، وهذا الحديث ( كل معروف ) يشمل هذا وهذا ، فكل عمل تتعبد به إلى الله فإنه صدقة ، كما ورد في حديث سابق : ( كل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهى عن المنكر صدقة )(147) .
وأما ما يتعارف عليه الناس على حسنه مما يتعلق بالمعاملة بين الناس فهو معروف ، مثل الإحسان إلى الخلق بالمال ، أو بالجاه ، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان . ومن ذلك : أن تلقى أخاك بوجه طلق لا بوجه عبوس ، وأن تلين له القول ، وأن تدخل عليه السرور ؛ ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ إن من الخير: إذا عاد الإنسان مريضاً ، أن يدخل عليه السرور ويقول : أنت في عافية ، وإن كان الأمر على خلاف ما قال ، بأن كان مرضه شديداً ، يقول ذلك ناوياً أنه في عافية أحسن ممن هو دونه ، لأن إدخال السرور على المريض سبب للشفاء . ولهذا تجد أن الإنسان إذا كان مريضاً مرضاً عادياً صغيراً ، إذا قال له الإنسان إن هذا شيء يسير هين لا يضر سر بذلك ونسى المرض ، ونسيان المرض سبب لشفائه ، وكون الإنسان يعلق قلبه بالمرض فذلك سبب لبقائه . وأضرب لكم مثلاً لذلك برجل فيه جرح، تجد أنه تلهى بحاجة أخرى لا يحس بألم الجرح، لكن إذا تفرغ تذكر هذا الجرح وآلمه .
انظر مثلاً إلى الحمالين الذين يحملون الأشياء على السيارات وينزلونها ، أحياناً يسقط على قدمه شيء فيجرحه ، ولكنه ما دام يحمل لا يشعر به ولا يحس به ، فإذا فرغ أحس به وتألم .
إذن فغفلة المريض عن المرض ، وإدخال السرور عليه ، تأميله بأن الله عز وجل سيشفيه ، فهذا خير ينسيه المرض ، وربما كان سبباً للشفاء .
إذن كل معروف صدقة . لو أن أحد إلى جنبك ورأيته محتراً يتصبب العرق من جنبيه ، فروحت عليه بالمروحة ، فإنه لك صدقة ، لأنه معروف . لو قابلت الضيوف بالانبساط وتعجيل الضيافة لهم وما أشبه ذلك فهذا صدقة .
انظر إلى إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما جاءته الملائكة ضيوفاً ماذا صنعه ؟ قالوا : سلاماً . قال : سلام . قال العلماء : وقول إبراهيم سلامٌ ابلغ من قول الملائكة سلاماً ، لأن قول الملائكة سلاماً يعني نسلم سلاماً ، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث . وقول إبراهيم : سلامٌ جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار فهو أبلغ . وماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟ راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين .
(فراغ ) : قال العلماء : معناه انصرف مسرعاً بخفية ، وهذا من حسن الضيافة ، ذهب مسرعاً لئلا يمنعوه ، أو يقولوا : انتظر ما نريد شيئاً ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (الذريات:26) ، وفي الآية الأخرى : ( بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) (هود:69) .
حنيذ يعني مشوياً ، ومعلوم أن اللحم المشوي أطعم من اللحم المطبوخ ، لأن طعمه يكون باقياً فيه (فَجَاءَ بِعِجْلٍ ) والعلماء يقولون : إن العجل من أفضل أنواع اللحم ، لأن للحمه ليناً وطعماً . ثم قال تعالى: ( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) ما وضعه في مكان بعيد وقال لهم اذهبوا إلى مكان الطعام وإنما قربه إليهم .
ثم قال : ( أَلا تَأْكُلُونَ) ولم يقل لهم : كلوا . و( ألا ) أداة عرض يعني عرض عليهم الأكل ولم يأمرهم .
ولكن الملائكة لم يأكلوا ، فهم لا يأكلون ، ليس لهم أجواف ، بل خلقهم الله من نور جسراً واحداً : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20) ، دائماً يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فلم يأكلوا لهذا السبب .
( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ) لأنهم لم يأكلوا ، يقولون : أنه من عادة العرب أن الضيف إذا لم يأكل فقد تأبط شراً ، ولهذا فمن عادتنا إلى الآن أنه إذا جاء الضيف ولم يأكل قالوا : مالح ، يعني ذق من طعامنا ، فإذا لم يمالح قالوا إن هذا الرجل قد نوى بنا شراً . فنكرهم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأوجس منهم خيفة ( قَالُوا لا تَخَفْ ) ثم بينوا له الأمر ( قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (الذريات:28) وكان قد كبر، وكانت امرأته قد كبرت.(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ ) لما سمعت البشرى ( فِي صَرَّةٍ ) أي في صيحة ( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) عجباً ، ( وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ، يعني أألد وأنا عجوز عقيم ؟ قالت الملائكة : ( كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ) الرب عز وجل يفعل ما يشاء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .
ثم قال تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم ُ) (الذريات:30) ، وهنا قدم الحكيم على العليم ، وفي آيات كثيرة يقدم العليم على الحكيم ، والسبب أن هذه المسألة ، أي كونها تلد وهي عجوز خرجت عن نظائرها ، ما لها نظير إلا نادراً ن فبدأ بالحكيم الدال على الحكمة ، يعني أن الله حكيم أن تلدي وأنت عجوز .
المهم أن إبراهيم ـ عليه الصلاة السلام ـ قد ضرب المثل في حسن الضيافة ، وحسن الضيافة من المعروف ، وكل معروف صدقة ، فاصنع للناس خيراً ومعروفاً ، واعلم أن هذه صدقة تثاب عليها ثواب الصدقة . والله الموفق .
العلامة محمد بن عثيمين يرحمه الله
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل معروف صدقة ) رواه البخاري ، ورواه مسلم من رواية حذيفة رضي الله عنه(146) .
الشرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله في باب كثرة طرق الخيرات ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل معروف صدقة ) .
المعروف : ما عرف في الشرع حسنه إن كان مما يتعبد به لله ، وإن كان مما يتعامل به الناس فهو مما تعارف الناس على حسنه ، وهذا الحديث ( كل معروف ) يشمل هذا وهذا ، فكل عمل تتعبد به إلى الله فإنه صدقة ، كما ورد في حديث سابق : ( كل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهى عن المنكر صدقة )(147) .
وأما ما يتعارف عليه الناس على حسنه مما يتعلق بالمعاملة بين الناس فهو معروف ، مثل الإحسان إلى الخلق بالمال ، أو بالجاه ، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان . ومن ذلك : أن تلقى أخاك بوجه طلق لا بوجه عبوس ، وأن تلين له القول ، وأن تدخل عليه السرور ؛ ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ إن من الخير: إذا عاد الإنسان مريضاً ، أن يدخل عليه السرور ويقول : أنت في عافية ، وإن كان الأمر على خلاف ما قال ، بأن كان مرضه شديداً ، يقول ذلك ناوياً أنه في عافية أحسن ممن هو دونه ، لأن إدخال السرور على المريض سبب للشفاء . ولهذا تجد أن الإنسان إذا كان مريضاً مرضاً عادياً صغيراً ، إذا قال له الإنسان إن هذا شيء يسير هين لا يضر سر بذلك ونسى المرض ، ونسيان المرض سبب لشفائه ، وكون الإنسان يعلق قلبه بالمرض فذلك سبب لبقائه . وأضرب لكم مثلاً لذلك برجل فيه جرح، تجد أنه تلهى بحاجة أخرى لا يحس بألم الجرح، لكن إذا تفرغ تذكر هذا الجرح وآلمه .
انظر مثلاً إلى الحمالين الذين يحملون الأشياء على السيارات وينزلونها ، أحياناً يسقط على قدمه شيء فيجرحه ، ولكنه ما دام يحمل لا يشعر به ولا يحس به ، فإذا فرغ أحس به وتألم .
إذن فغفلة المريض عن المرض ، وإدخال السرور عليه ، تأميله بأن الله عز وجل سيشفيه ، فهذا خير ينسيه المرض ، وربما كان سبباً للشفاء .
إذن كل معروف صدقة . لو أن أحد إلى جنبك ورأيته محتراً يتصبب العرق من جنبيه ، فروحت عليه بالمروحة ، فإنه لك صدقة ، لأنه معروف . لو قابلت الضيوف بالانبساط وتعجيل الضيافة لهم وما أشبه ذلك فهذا صدقة .
انظر إلى إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما جاءته الملائكة ضيوفاً ماذا صنعه ؟ قالوا : سلاماً . قال : سلام . قال العلماء : وقول إبراهيم سلامٌ ابلغ من قول الملائكة سلاماً ، لأن قول الملائكة سلاماً يعني نسلم سلاماً ، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث . وقول إبراهيم : سلامٌ جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار فهو أبلغ . وماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟ راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين .
(فراغ ) : قال العلماء : معناه انصرف مسرعاً بخفية ، وهذا من حسن الضيافة ، ذهب مسرعاً لئلا يمنعوه ، أو يقولوا : انتظر ما نريد شيئاً ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (الذريات:26) ، وفي الآية الأخرى : ( بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) (هود:69) .
حنيذ يعني مشوياً ، ومعلوم أن اللحم المشوي أطعم من اللحم المطبوخ ، لأن طعمه يكون باقياً فيه (فَجَاءَ بِعِجْلٍ ) والعلماء يقولون : إن العجل من أفضل أنواع اللحم ، لأن للحمه ليناً وطعماً . ثم قال تعالى: ( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) ما وضعه في مكان بعيد وقال لهم اذهبوا إلى مكان الطعام وإنما قربه إليهم .
ثم قال : ( أَلا تَأْكُلُونَ) ولم يقل لهم : كلوا . و( ألا ) أداة عرض يعني عرض عليهم الأكل ولم يأمرهم .
ولكن الملائكة لم يأكلوا ، فهم لا يأكلون ، ليس لهم أجواف ، بل خلقهم الله من نور جسراً واحداً : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20) ، دائماً يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فلم يأكلوا لهذا السبب .
( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ) لأنهم لم يأكلوا ، يقولون : أنه من عادة العرب أن الضيف إذا لم يأكل فقد تأبط شراً ، ولهذا فمن عادتنا إلى الآن أنه إذا جاء الضيف ولم يأكل قالوا : مالح ، يعني ذق من طعامنا ، فإذا لم يمالح قالوا إن هذا الرجل قد نوى بنا شراً . فنكرهم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأوجس منهم خيفة ( قَالُوا لا تَخَفْ ) ثم بينوا له الأمر ( قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (الذريات:28) وكان قد كبر، وكانت امرأته قد كبرت.(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ ) لما سمعت البشرى ( فِي صَرَّةٍ ) أي في صيحة ( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) عجباً ، ( وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ، يعني أألد وأنا عجوز عقيم ؟ قالت الملائكة : ( كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ) الرب عز وجل يفعل ما يشاء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .
ثم قال تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم ُ) (الذريات:30) ، وهنا قدم الحكيم على العليم ، وفي آيات كثيرة يقدم العليم على الحكيم ، والسبب أن هذه المسألة ، أي كونها تلد وهي عجوز خرجت عن نظائرها ، ما لها نظير إلا نادراً ن فبدأ بالحكيم الدال على الحكمة ، يعني أن الله حكيم أن تلدي وأنت عجوز .
المهم أن إبراهيم ـ عليه الصلاة السلام ـ قد ضرب المثل في حسن الضيافة ، وحسن الضيافة من المعروف ، وكل معروف صدقة ، فاصنع للناس خيراً ومعروفاً ، واعلم أن هذه صدقة تثاب عليها ثواب الصدقة . والله الموفق .
العلامة محمد بن عثيمين يرحمه الله
زكريا محمد وحيد- عدد المساهمات : 1167
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 74
الموقع : العباسيه القاهره
مواضيع مماثلة
» بيان خصائص يوم الجمعة الكونية والشرعية - بيان حكم من تكلم والإمام يخطب
» الواثق بالله الثالث
» المعتضد بالله الثالث
» شرح الحديث الثاني من الأربعين النووية
» المتوكل على الله الثالث
» الواثق بالله الثالث
» المعتضد بالله الثالث
» شرح الحديث الثاني من الأربعين النووية
» المتوكل على الله الثالث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى