الحث على شكر نعمة الله - عزَّ وجل - باللباس وبيان أنواعها وأحكام الألبسة - التحذير والوعيد الشديد من لبس ما فيه تصاوير وما يكتب عليها فإنه محرم
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الحث على شكر نعمة الله - عزَّ وجل - باللباس وبيان أنواعها وأحكام الألبسة - التحذير والوعيد الشديد من لبس ما فيه تصاوير وما يكتب عليها فإنه محرم
الحث على شكر نعمة الله - عزَّ وجل - باللباس وبيان أنواعها وأحكام الألبسة - التحذير والوعيد الشديد من لبس ما فيه تصاوير وما يكتب عليها فإنه محرم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عبدٌ لا يعبد ورسول لا يكذب، أدى عبادة ربه وبلَّغ رسالته ونصح أمته وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فقد قال الله عزَّ وجل: +يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" [الأعراف: 26] .
نعم، إن ذلك من آيات الله أن جعل جسد بني آدم عارياً لم يكسَ بوبرٍ ولا شعر ولا صوف ولا ريش ليعلم الإنسان أنه عارٍ إلا من لباس؛ حتى يتذكر بذلك أنه محتاج إلى اللباس الحسي والمعنوي، محتاج إلى اللباس الحسي ليواري سوءته، محتاج إلى اللباس المعنوي لتكفير خطيئته، وفي هذه الآية الكريمة بيَّن الله - تعالى - ما منَّ به على عباده حيث أنزل عليهم ثلاثة أنواع من الألبسة: نوعان حسيان ونوع معنوي، فأما النوعان الحسيان فهما: لباس ضروري يواري الإنسان به عورته، يكسو به بدنه لا بد له منه، واللباس الثاني: ريش ويقال: رياش، وهو: لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري، وأما النوع المعنوي فهو: لباس التقوى: تقوى الله - عزَّ وجل - بامتثال أمره واجتناب نهيه وهذا اللباس خير من النوعين الحسيين؛ وذلك لأنه يواري سوءة الإنسان في الدنيا والآخرة، قال الله عزَّ وجل: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: 2-3]، وقال الله تعالى: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا" [الطلاق: 4-5]، وقال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" [الأنفال: 29]؛ ولأن هذا اللباس المعنوي يختص به المؤمن الذي يتقي الله عزَّ وجل، أما اللباس الحسي بنوعيه فإنه يشترك فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والفاسق والمطيع، بل قد يعطى الكافر والفاجر والفاسق ما لا يعطاه المؤمن من ذلك .
أيها المسلمون، إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده وأحلَّها لهم وأنكر على من يحرمونها بدون برهان ولا دليل، قال الله تعالى: +قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [الأعراف: 32].
أيها المسلمون، إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لهم لأكبر برهان على أنه ليس من حقنا أن نتحكم فيها بتحليل أو تحريم وإنما حكمها إلى الله وحده؛ لأنه الذي أخرجها لعباده وحده وليس من حقنا أيضاً أن نستعمل هذه الزينة كما نشاء وإنما نستعملها على الوجه الذي حدد الله لنا بدون تعدٍّ، قال الله تعالى: +تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [البقرة: 229].
لقد حدَّد الله هذا اللباس وحدَّد لنا استعماله نوعاً وكيفاً، حلاً وحرمة؛ لئلا نتجاوز به إلى حد لا يليق بنا، أما الحلال فإن الحلال من هذا اللباس هو الأصل؛ لأن الله يقول: +هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا" [البقرة: 29]، فأي إنسان يحرم شيئاً من اللباس فإننا نقول له: هاتِ الدليل على ذلك وإلا فإنه مما خلق الله لنا وهو حلٌّ لنا حتى يقوم دليل على التحريم؛ ولهذا كان الحلال من اللباس أكثر بكثير من المحرم والمحرم قليل بالنسبة إليه؛ لأن عطاء الله أوسع من منعه ولا يمنع الله شيئاً إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع.
أيها المسلمون، إن من اللباس المحرم ما اشتهر الآن وانتشر وهو اللباس الذي فيه صورة أو اللباس المصنوع على صورة؛ «لأن عائشة - رضي الله عنها - اشترت نمرقة - والنمرقة: الوسادة أو المخدّة - وكان فيها تصاوير فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآها قام على الباب ولم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة ؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة»(1)رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون، إن هذا الحديث لمِن أصح الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب ولم يدخل؛ لأن في البيت مخدة فيها صورة وظهرت كراهية ذلك على ملامح وجهه - صلوات الله وسلامه عليه - حتى أعلنت أم المؤمنين عائشة التوبة من أجل ما رأت في وجهه.
أيها المسلمون، وإذا كان هذا في المخدة وهي منفصلة عن الإنسان فما بالكم في الصور التي تكون على الملابس ؟ وما بالكم في هذه الصور إذا كانت صورة لأحد أئمة الكفر، أو لأحد أئمة الفجور، أو لأحد من الفساق أو لأحد من الكافرين ؟ وإن لم يكونوا أئمة ما ظنكم إذا كانت هذه الصور على ملابسنا وملابس أهلينا وأولادنا.
أيها المسلمون، إنني لأعجب أن تموت غيرة المسلمين إلى هذا الحد حتى لا يفرقون بين الضار والنافع وبين المحرم والمباح، إنني أتعجب كيف انحدرنا إلى هذا الانحدار في هذا الزمن القليل ونحن - ولله الحمد - عندنا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفينا من العلماء من يكفوننا ذلك ويبيِّنون لنا حكم الله ورسوله في هذا !
إنني أقول لكم أيها المسلمون، إن الواجب علينا أن نقاطع هذه الألبسة، أن نقاطعها مقاطعة تامة وألا نشتري منها شيئاً؛ لأن شراءها حرام ولباسها حرام واقتناءها حرام وتأجير الدكاكين على من يبيعها حرام؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: +وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ"و[المائدة: 2]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه»(2).
أيها المسلمون، إن أعداء الإسلام يغزوننا بمثل هذه الأمور: لقد أتونا بالغزو من كل فج ورمونا من كل ناحية، وضعوا هذه الصور في الملابس فكان في بعض الأقمشة صور الحيوانات الكبيرة، صور الحيوانات الصغيرة، بالتلوين تارة وبوضع القصاصات أو المطاط على صورة حيوان تارة، وبصناعة الحلي على صورة فراشة أو سمكة أو أسد أو ثعبان أو غير ذلك من صور الحيوان أو من صور الرجال أو من صور النساء، كل هذا يلبسه البعض منا حتى يختار أن تفارق الملائكة بيته أن تفارق صحبته أكثروا علينا أعداؤنا من ذلك ليهون علينا أمر الله ورسوله ولننسى أمر الله ورسوله ولنتهاون في أمر الله ورسوله، وإنني أقول وأكرر: إن لباس هذه المصورات أو ما فيه صور إنه محرم وإن بيعها حرام وشراءها حرام؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان وقد قال الله عزَّ وجل: +وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة: 2]، وكما لا يجوز للمسلم أن يلبس الصورة أو ما فيه صورة فإنه لا يجوز له أن يلبسها صبيه الصغير ذكراً كان أم أنثًى، وقد قال العلماء - رحمهم الله - ومنهم علماء الحنابلة: إنه يحرم إلباس صبي ما يحرم على بالغ، والخلاص من هذا كله أيها المسلمون، إذا كان عند الإنسان الآن شيء من هذه الألبسة أو من الحلي الذي على صورة حيوان أن يقطع رأسها، أما إن كانت في قماش فإن كانت ملصقة إلصاقا قلعها أو قلع رأسها، وإن كانت مرسومة باللون وضع على الرأس لوناً يطمسه، وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته»(3) هذا بالنسبة لما اشتريناه وكان عندنا، أما ما لم نشتره فإن العلاج من ذلك: أن نقاطعه مقاطعة تامة وألا نشتريه وأن نحذر أقاربنا وإخواننا وأصحابنا من شرائه حتى إذا علم الكفار الذين يوردونه إلينا أو من كان جاهلاً من المسلمين إذا علموا أن هذا قد قاطعه المسلمون الذين يخافون الله ويتَّقونه فإنهم لن يُوردُوه بعد ذلك أولا يوردوا منه إلا كمية قليلة حتى ينتهي أمره، نسأل الله أن يقينا وإياكم شرور خلقه.
ولكن قد تقولون: إن هذه الثياب قد ملأت أسواقنا فماذا نصنع ؟ فالجواب عن ذلك بل الجواب على ذلك أن نقول: إنها كما امتلأت الأسواق بالثياب الجاهزة فقد امتلأت - ولله الحمد - بالثياب غير الجاهزة: من الممكن أن يشتري الإنسان ما يريد من القطع من القماش ثم يعطيها من يخيطها وما أكثر الخياطين عندنا.
أيها المسلمون، «إن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواءً»(4) ولكن الشأن كل الشأن في صدق العزيمة، وفي صدق النية، وفي قوة الإيمان، وفي الشجاعة، وفي غلبة النفس الأمارة بالسوء فمن غلبت نفسه المطمئنة نفسه الأمارة بالسوء فقد نجا، ومن غلبت نفسه الأمارة بالسوء نفسه المطمئنة فقد هلك، واستمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: +يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي" [الفجر: 27-30]، هل تريدون أن تكونوا ممن يخاطب بهذا الخطاب أم تريدون أن تكونوا ممن يخاطب بغير بذلك ؟ لا أخالكم لا أخالكم تريدون إلا أن تكون نفوسكم تخاطب بهذا الخطاب +يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً" [الفجر: 27-28].
أيها المسلمون، وإن من اللباس المحرم ما يحرم على الرجال خاصة وهو: لبس ما نزل عن الكعبين من سراويل، أو قميص، أو مشلح، أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار، ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار»(5) رواه البخاري، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإزار فهو في القميص»(6)، فلا يحل للرجل أن ينزل شيئاً من ثيابه أسفل من الكعبين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توعد على ذلك بالنار ولا وعيد بالنار إلا على فعل محرم بل لا وعيد بالنار إلا على شيء من الكبائر، ولقد ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزل ثيابه خيلاء، والخيلاء: أن يتخيل الشخص لنفسه منزلة عالية فيتعاظم في نفسه ويعجب بها، أقول: ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزل ثيابه خيلاء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه»(7) فأراد هذا الظان أن يحمل ذلك المطلق على هذا المقيد ولكن هذا ليس بصحيح، أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرَّق بينهما فيما رواه مالك وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أزرة المؤمن إلى نصف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار، ومَن جرَّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة»( فقسَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: قسم اللباس إلى أربعة أقسام، الأول: إلى نصف الساق وهذه أزرة المؤمن، الثاني: جائز، وهو: ما بين نصف الساق وبين الكعبين فهذا جائز وهو من عمل الصحابة - رضي الله عنهم - كما قال أبو بكر رضي الله عنه: «إن أحد شقي إزاري يسترخي عليّ حتى أتعاهده»(9) وهذا يدل على أن إزار أبي بكر دون نصف الساق، أي: أنزل منه؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان إذا مسَّ الأرض تنكشف عورته وهذا شيء مستحيل، أما القسم الثالث: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما كان أسفل من ذلك - أي: من الكعبين - فهو في النار»(10)، أما القسم الرابع: فقال صلى الله عليه وسلم: «ومَن جرَّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة»(11) ففرَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين القسمين وخالف بينهما في الوعيدين، وأما ثانياً: فإن الوعيد في هذين الحديثين مختلف وسببه مختلف، فالوعيد فيمن جرَّ ثوبه خيلاء أن الله لا ينظر إليه، والوعيد فيمن نزَّل ثوبه عن كعبيه إنما نزل في النار فالعقوبة في هذا جزئية والعقوبة الأولى: أن الله لا ينظر إليه وهو أعظم من تعذيب جزء من بدنه بالنار، وأما السبب فمختلف أيضاً، فأحدهما: أنزله إلى أسفل من الكعبين، والثاني: جرَّه خيلاء وهذا أعظم؛ ولهذا كانت عقوبته أعظم، وقد قال علماء أصول الفقه: إنه إذا اختلف السبب والحكم في الدليلين لم يحمل أحدهما على الآخر؛ وعلى هذا فلا يحل للرجل أن ينزل شيئاً من ثيابه تحت الكعبين سواء كان ذلك سراويل، أم قميصاً، أم مشلحاً أم غيرها فإن فعل فإن عقوبته: أن يعذب موضع النازل بالنار، ولا يحل له أن يجر شيئاً من ذلك خيلاء فإن فعل فعقوبته ألا ينظر الله إليه يوم القيامة، بل في صحيح مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، كرَّرها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لعظم شأنها ولينتبه المخاطب بها، فقال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله ؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»(12)، ودخل شاب من الأنصار على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يثني عليه مع الناس حين طعن رضي الله عنه فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض، فقال رضي الله - تعالى - عنه: «ردوا عليّ الغلام فردوه عليه فقال رضي الله تعالى عنه: يا ابن أخي، ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك»(13)، لله درُّ عمر رضي الله عنه، ذكر هنا فائدتين عظيمتين في رفع الثوب، الأولى: بقاء الثوب حيث لا تُتْلف الأرض أسفله، والثانية: تقوى الله عزَّ وجل، قال الله تعالى: +وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِك" [الأعراف: 26]، قد يقول متهور من الناس: أنا لا أبالي إذا تلف أسفل ثوبي ؟ وجوابنا نقول: إذا كنت لا تبالي بذلك فهَلا تبالي أيضاً إذا أضعت تقوى الله واستعنت بنعمه على معاصيه فانقلبت النعم في حقك نقماً والمتعة ألماً ؟
أيها المسلمون، اتقوا الله - تعالى - واستعينوا بنعمته على طاعته واحفظوا حدوده وأقيموا فرائضه واعبدوه حق عبادته، قال الله عزَّ وجل: +وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [البقرة: 223]، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها السعادة يوم نلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليماً .
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام، إن مما يكتب في هذه الألبسة الجاهزة الواردة إلينا من بلاد الكفر عبارات سيئة للغاية لا أستطيع أن أتفوَّه بها من هذا المنبر وتكتب بالحروف اللاتينية ليغترَّ بها الناس حتى لا يفهما أكثر عامة الناس، وإن الواجب علينا: أن نقاطع هذه الألبسة وأن نتجنبها لما تحمله هذا العبارات السيئة من سفاسف الأخلاق وربما تحمل أمراً يُخلُّ بالعقيدة، ربما يكون فيها ثناء على دين النصارى، قال الله تعالى: +قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" [التوبة: 30] .
إن المسلمين - ولله الحمد - في يقظة وإن عندهم شباباً متيقظين لهذه الأمور يعرفونها و يعرفون كيد الكفار جعل الله كيدهم في نحورهم وشتَّت شملهم وفرَّق جمعهم، اللهم إنا نسألك بحولك وقوتك يا رب العالمين أن تفرق جموع الكفار، وأن تشتِّت شملهم، وأن تخزيهم، وأن تلحقهم العار، وأن تجعل الدائرة عليهم يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين عليهم في كل مكان، اللهم هيئ لدينك مَن ينصره من المسلمين، اللهم أذل أعداء المسلمين، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، اللهم إنهم يكيدون كيداً فنسألك اللهم أن تكيد كيداً أعظم من كيدهم، وأن تدمرهم، وأن تجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، اللهم أنزل في بلادهم القلاقل، والخوف، والجوع، والعري حتى يلجؤوا إلى الله عزَّ وجل؛ حتى يعرفوا أنهم لن تدوم لهم دنياهم آمنين مترفين يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم طهِّر بلادنا منهم ومن كيدهم ومن مكرهم يا رب العالمين، واعلموا - أيها المسلمون - «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»(14)، فعليكم - أيها المسلمون - بالجماعة - والجماعة هي: الاجتماع على الحق - عليكم بالاجتماع على الحق، كونوا - عباد الله - أنصاراً في دين الله، كونوا إخواناً في دين الله، قال الله عزَّ وجل: +وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا" [الحجرات: 12]، ولا ينم بعضكم إلى بعض كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوعيد الشديد على النمامين، قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يدخل الجنة نمام»(15) كونوا إخوة متحابين في الله متآخين فيه - عزَّ وجل - ترجون بهذه المحبة والإخوة فضل الله عزَّ وجل، ترجون بذلك انتصاركم على أعدائكم؛ فإن الله يقول في كتابه: +وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [الأنفال: 46]، «عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(16)، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليماً: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما"ً [الأحزاب: 56]، فسمعاً لك اللهم وطاعةً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم لا تحل بيننا وبين ذلك بسوء أفعالنا وتجاوز عنا واغفر لنا وارحمنا، يا ذا الجلال والإكرام، يا غفور يا رحيم، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم كُنْ معهم ولا تكن عليهم، اللهم أعزهم بدينك وأعز دينك بهم يا رب العالمين، اللهم أتمم لإخواننا في أفغانستان، اللهم أتمم لهم النصر وألِّف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق وأعنهم على أعدائهم يا رب العالمين، اللهم +رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [البقرة: 201] .
عباد الله، +إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، +وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [العنكبوت: 45].
--------------------------
(1) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: من كره القعود على الصورة من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، رقم (5500)، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان - الباب (3941) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، ت ط ع .
(2) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده مسند بني هشام من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رقم (2546)، ت ط ع .
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز، باب: الأمر بتسوية القبر، من حديث علي بن أبي طالب رضي تعالى عنه، رقم (1609)، ت ط ع .
(4) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، رقم (4106)، أخرجه ابن ماجة -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الطب، باب: ما أنزل الله داءً إلى أنزل له شفاء، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، رقم (3429)، ت ط ع، واللفظ له .
(5) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: ما أسفل من الكعبين ففي النار، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم (5341)، ت ط ع .
(6) أخرجه الطبراني -رحمه الله تعالى- في المعجم الكبير، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، في الجزء (12) صفحة 268، رقم (13077) .
(7) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب المناقب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذاً خليلاً» قاله أبو سعيد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما واللفظ له، رقم (3392)، وأخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: من جرَّ ثوبه من غير خيلاء من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، رقم (5338)، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: تحريم جرَّ الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم (3888-3889)، ت ط ع .
( أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم، رقم (10587)، وأخرجه أبو داود -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب اللباس، باب: في قدر موضع الإزار من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، رقم (3570)، ت ط ع .
(9) سبق تخرجه في الحدث 7 .
(10) سبق تخريجه في الحديث 5 .
(11) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب اللباس، باب: من جرَّ ثوبه من الخيلاء، رقم (5342) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم جر الثوب خيلاء، رقم (3893)، ت ط ع .
(12) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، من حديث أبي ذر الغفاري رضي تعالى عنه، رقم (154) ت ط ع .
(13) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب المناقب، باب: قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقصة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، من حديث عمرو بن ميمون وهو من كبار التابعين رحمه الله تعالى، رقم (3424)، ت ط ع .
(14) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، رقم (1435)، ت ط ع .
(15) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم النميمة من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، رقم (151)، ت ط ع .
(16) أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الفتن، باب: لزوم الجماعة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم (2023)، ت ط ع .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
منقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عبدٌ لا يعبد ورسول لا يكذب، أدى عبادة ربه وبلَّغ رسالته ونصح أمته وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فقد قال الله عزَّ وجل: +يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" [الأعراف: 26] .
نعم، إن ذلك من آيات الله أن جعل جسد بني آدم عارياً لم يكسَ بوبرٍ ولا شعر ولا صوف ولا ريش ليعلم الإنسان أنه عارٍ إلا من لباس؛ حتى يتذكر بذلك أنه محتاج إلى اللباس الحسي والمعنوي، محتاج إلى اللباس الحسي ليواري سوءته، محتاج إلى اللباس المعنوي لتكفير خطيئته، وفي هذه الآية الكريمة بيَّن الله - تعالى - ما منَّ به على عباده حيث أنزل عليهم ثلاثة أنواع من الألبسة: نوعان حسيان ونوع معنوي، فأما النوعان الحسيان فهما: لباس ضروري يواري الإنسان به عورته، يكسو به بدنه لا بد له منه، واللباس الثاني: ريش ويقال: رياش، وهو: لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري، وأما النوع المعنوي فهو: لباس التقوى: تقوى الله - عزَّ وجل - بامتثال أمره واجتناب نهيه وهذا اللباس خير من النوعين الحسيين؛ وذلك لأنه يواري سوءة الإنسان في الدنيا والآخرة، قال الله عزَّ وجل: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: 2-3]، وقال الله تعالى: +وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا" [الطلاق: 4-5]، وقال الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" [الأنفال: 29]؛ ولأن هذا اللباس المعنوي يختص به المؤمن الذي يتقي الله عزَّ وجل، أما اللباس الحسي بنوعيه فإنه يشترك فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والفاسق والمطيع، بل قد يعطى الكافر والفاجر والفاسق ما لا يعطاه المؤمن من ذلك .
أيها المسلمون، إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده وأحلَّها لهم وأنكر على من يحرمونها بدون برهان ولا دليل، قال الله تعالى: +قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [الأعراف: 32].
أيها المسلمون، إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لهم لأكبر برهان على أنه ليس من حقنا أن نتحكم فيها بتحليل أو تحريم وإنما حكمها إلى الله وحده؛ لأنه الذي أخرجها لعباده وحده وليس من حقنا أيضاً أن نستعمل هذه الزينة كما نشاء وإنما نستعملها على الوجه الذي حدد الله لنا بدون تعدٍّ، قال الله تعالى: +تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [البقرة: 229].
لقد حدَّد الله هذا اللباس وحدَّد لنا استعماله نوعاً وكيفاً، حلاً وحرمة؛ لئلا نتجاوز به إلى حد لا يليق بنا، أما الحلال فإن الحلال من هذا اللباس هو الأصل؛ لأن الله يقول: +هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا" [البقرة: 29]، فأي إنسان يحرم شيئاً من اللباس فإننا نقول له: هاتِ الدليل على ذلك وإلا فإنه مما خلق الله لنا وهو حلٌّ لنا حتى يقوم دليل على التحريم؛ ولهذا كان الحلال من اللباس أكثر بكثير من المحرم والمحرم قليل بالنسبة إليه؛ لأن عطاء الله أوسع من منعه ولا يمنع الله شيئاً إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع.
أيها المسلمون، إن من اللباس المحرم ما اشتهر الآن وانتشر وهو اللباس الذي فيه صورة أو اللباس المصنوع على صورة؛ «لأن عائشة - رضي الله عنها - اشترت نمرقة - والنمرقة: الوسادة أو المخدّة - وكان فيها تصاوير فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآها قام على الباب ولم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية فقلت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة ؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة»(1)رواه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون، إن هذا الحديث لمِن أصح الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب ولم يدخل؛ لأن في البيت مخدة فيها صورة وظهرت كراهية ذلك على ملامح وجهه - صلوات الله وسلامه عليه - حتى أعلنت أم المؤمنين عائشة التوبة من أجل ما رأت في وجهه.
أيها المسلمون، وإذا كان هذا في المخدة وهي منفصلة عن الإنسان فما بالكم في الصور التي تكون على الملابس ؟ وما بالكم في هذه الصور إذا كانت صورة لأحد أئمة الكفر، أو لأحد أئمة الفجور، أو لأحد من الفساق أو لأحد من الكافرين ؟ وإن لم يكونوا أئمة ما ظنكم إذا كانت هذه الصور على ملابسنا وملابس أهلينا وأولادنا.
أيها المسلمون، إنني لأعجب أن تموت غيرة المسلمين إلى هذا الحد حتى لا يفرقون بين الضار والنافع وبين المحرم والمباح، إنني أتعجب كيف انحدرنا إلى هذا الانحدار في هذا الزمن القليل ونحن - ولله الحمد - عندنا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفينا من العلماء من يكفوننا ذلك ويبيِّنون لنا حكم الله ورسوله في هذا !
إنني أقول لكم أيها المسلمون، إن الواجب علينا أن نقاطع هذه الألبسة، أن نقاطعها مقاطعة تامة وألا نشتري منها شيئاً؛ لأن شراءها حرام ولباسها حرام واقتناءها حرام وتأجير الدكاكين على من يبيعها حرام؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: +وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ"و[المائدة: 2]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه»(2).
أيها المسلمون، إن أعداء الإسلام يغزوننا بمثل هذه الأمور: لقد أتونا بالغزو من كل فج ورمونا من كل ناحية، وضعوا هذه الصور في الملابس فكان في بعض الأقمشة صور الحيوانات الكبيرة، صور الحيوانات الصغيرة، بالتلوين تارة وبوضع القصاصات أو المطاط على صورة حيوان تارة، وبصناعة الحلي على صورة فراشة أو سمكة أو أسد أو ثعبان أو غير ذلك من صور الحيوان أو من صور الرجال أو من صور النساء، كل هذا يلبسه البعض منا حتى يختار أن تفارق الملائكة بيته أن تفارق صحبته أكثروا علينا أعداؤنا من ذلك ليهون علينا أمر الله ورسوله ولننسى أمر الله ورسوله ولنتهاون في أمر الله ورسوله، وإنني أقول وأكرر: إن لباس هذه المصورات أو ما فيه صور إنه محرم وإن بيعها حرام وشراءها حرام؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان وقد قال الله عزَّ وجل: +وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة: 2]، وكما لا يجوز للمسلم أن يلبس الصورة أو ما فيه صورة فإنه لا يجوز له أن يلبسها صبيه الصغير ذكراً كان أم أنثًى، وقد قال العلماء - رحمهم الله - ومنهم علماء الحنابلة: إنه يحرم إلباس صبي ما يحرم على بالغ، والخلاص من هذا كله أيها المسلمون، إذا كان عند الإنسان الآن شيء من هذه الألبسة أو من الحلي الذي على صورة حيوان أن يقطع رأسها، أما إن كانت في قماش فإن كانت ملصقة إلصاقا قلعها أو قلع رأسها، وإن كانت مرسومة باللون وضع على الرأس لوناً يطمسه، وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته»(3) هذا بالنسبة لما اشتريناه وكان عندنا، أما ما لم نشتره فإن العلاج من ذلك: أن نقاطعه مقاطعة تامة وألا نشتريه وأن نحذر أقاربنا وإخواننا وأصحابنا من شرائه حتى إذا علم الكفار الذين يوردونه إلينا أو من كان جاهلاً من المسلمين إذا علموا أن هذا قد قاطعه المسلمون الذين يخافون الله ويتَّقونه فإنهم لن يُوردُوه بعد ذلك أولا يوردوا منه إلا كمية قليلة حتى ينتهي أمره، نسأل الله أن يقينا وإياكم شرور خلقه.
ولكن قد تقولون: إن هذه الثياب قد ملأت أسواقنا فماذا نصنع ؟ فالجواب عن ذلك بل الجواب على ذلك أن نقول: إنها كما امتلأت الأسواق بالثياب الجاهزة فقد امتلأت - ولله الحمد - بالثياب غير الجاهزة: من الممكن أن يشتري الإنسان ما يريد من القطع من القماش ثم يعطيها من يخيطها وما أكثر الخياطين عندنا.
أيها المسلمون، «إن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواءً»(4) ولكن الشأن كل الشأن في صدق العزيمة، وفي صدق النية، وفي قوة الإيمان، وفي الشجاعة، وفي غلبة النفس الأمارة بالسوء فمن غلبت نفسه المطمئنة نفسه الأمارة بالسوء فقد نجا، ومن غلبت نفسه الأمارة بالسوء نفسه المطمئنة فقد هلك، واستمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: +يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي" [الفجر: 27-30]، هل تريدون أن تكونوا ممن يخاطب بهذا الخطاب أم تريدون أن تكونوا ممن يخاطب بغير بذلك ؟ لا أخالكم لا أخالكم تريدون إلا أن تكون نفوسكم تخاطب بهذا الخطاب +يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً" [الفجر: 27-28].
أيها المسلمون، وإن من اللباس المحرم ما يحرم على الرجال خاصة وهو: لبس ما نزل عن الكعبين من سراويل، أو قميص، أو مشلح، أو غيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار، ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار»(5) رواه البخاري، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإزار فهو في القميص»(6)، فلا يحل للرجل أن ينزل شيئاً من ثيابه أسفل من الكعبين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توعد على ذلك بالنار ولا وعيد بالنار إلا على فعل محرم بل لا وعيد بالنار إلا على شيء من الكبائر، ولقد ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزل ثيابه خيلاء، والخيلاء: أن يتخيل الشخص لنفسه منزلة عالية فيتعاظم في نفسه ويعجب بها، أقول: ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزل ثيابه خيلاء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه»(7) فأراد هذا الظان أن يحمل ذلك المطلق على هذا المقيد ولكن هذا ليس بصحيح، أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرَّق بينهما فيما رواه مالك وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أزرة المؤمن إلى نصف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك فهو في النار، ومَن جرَّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة»( فقسَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: قسم اللباس إلى أربعة أقسام، الأول: إلى نصف الساق وهذه أزرة المؤمن، الثاني: جائز، وهو: ما بين نصف الساق وبين الكعبين فهذا جائز وهو من عمل الصحابة - رضي الله عنهم - كما قال أبو بكر رضي الله عنه: «إن أحد شقي إزاري يسترخي عليّ حتى أتعاهده»(9) وهذا يدل على أن إزار أبي بكر دون نصف الساق، أي: أنزل منه؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان إذا مسَّ الأرض تنكشف عورته وهذا شيء مستحيل، أما القسم الثالث: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما كان أسفل من ذلك - أي: من الكعبين - فهو في النار»(10)، أما القسم الرابع: فقال صلى الله عليه وسلم: «ومَن جرَّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة»(11) ففرَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين القسمين وخالف بينهما في الوعيدين، وأما ثانياً: فإن الوعيد في هذين الحديثين مختلف وسببه مختلف، فالوعيد فيمن جرَّ ثوبه خيلاء أن الله لا ينظر إليه، والوعيد فيمن نزَّل ثوبه عن كعبيه إنما نزل في النار فالعقوبة في هذا جزئية والعقوبة الأولى: أن الله لا ينظر إليه وهو أعظم من تعذيب جزء من بدنه بالنار، وأما السبب فمختلف أيضاً، فأحدهما: أنزله إلى أسفل من الكعبين، والثاني: جرَّه خيلاء وهذا أعظم؛ ولهذا كانت عقوبته أعظم، وقد قال علماء أصول الفقه: إنه إذا اختلف السبب والحكم في الدليلين لم يحمل أحدهما على الآخر؛ وعلى هذا فلا يحل للرجل أن ينزل شيئاً من ثيابه تحت الكعبين سواء كان ذلك سراويل، أم قميصاً، أم مشلحاً أم غيرها فإن فعل فإن عقوبته: أن يعذب موضع النازل بالنار، ولا يحل له أن يجر شيئاً من ذلك خيلاء فإن فعل فعقوبته ألا ينظر الله إليه يوم القيامة، بل في صحيح مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، كرَّرها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لعظم شأنها ولينتبه المخاطب بها، فقال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله ؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»(12)، ودخل شاب من الأنصار على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يثني عليه مع الناس حين طعن رضي الله عنه فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض، فقال رضي الله - تعالى - عنه: «ردوا عليّ الغلام فردوه عليه فقال رضي الله تعالى عنه: يا ابن أخي، ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك»(13)، لله درُّ عمر رضي الله عنه، ذكر هنا فائدتين عظيمتين في رفع الثوب، الأولى: بقاء الثوب حيث لا تُتْلف الأرض أسفله، والثانية: تقوى الله عزَّ وجل، قال الله تعالى: +وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِك" [الأعراف: 26]، قد يقول متهور من الناس: أنا لا أبالي إذا تلف أسفل ثوبي ؟ وجوابنا نقول: إذا كنت لا تبالي بذلك فهَلا تبالي أيضاً إذا أضعت تقوى الله واستعنت بنعمه على معاصيه فانقلبت النعم في حقك نقماً والمتعة ألماً ؟
أيها المسلمون، اتقوا الله - تعالى - واستعينوا بنعمته على طاعته واحفظوا حدوده وأقيموا فرائضه واعبدوه حق عبادته، قال الله عزَّ وجل: +وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [البقرة: 223]، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها السعادة يوم نلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليماً .
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام، إن مما يكتب في هذه الألبسة الجاهزة الواردة إلينا من بلاد الكفر عبارات سيئة للغاية لا أستطيع أن أتفوَّه بها من هذا المنبر وتكتب بالحروف اللاتينية ليغترَّ بها الناس حتى لا يفهما أكثر عامة الناس، وإن الواجب علينا: أن نقاطع هذه الألبسة وأن نتجنبها لما تحمله هذا العبارات السيئة من سفاسف الأخلاق وربما تحمل أمراً يُخلُّ بالعقيدة، ربما يكون فيها ثناء على دين النصارى، قال الله تعالى: +قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" [التوبة: 30] .
إن المسلمين - ولله الحمد - في يقظة وإن عندهم شباباً متيقظين لهذه الأمور يعرفونها و يعرفون كيد الكفار جعل الله كيدهم في نحورهم وشتَّت شملهم وفرَّق جمعهم، اللهم إنا نسألك بحولك وقوتك يا رب العالمين أن تفرق جموع الكفار، وأن تشتِّت شملهم، وأن تخزيهم، وأن تلحقهم العار، وأن تجعل الدائرة عليهم يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين عليهم في كل مكان، اللهم هيئ لدينك مَن ينصره من المسلمين، اللهم أذل أعداء المسلمين، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، اللهم إنهم يكيدون كيداً فنسألك اللهم أن تكيد كيداً أعظم من كيدهم، وأن تدمرهم، وأن تجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، اللهم أنزل في بلادهم القلاقل، والخوف، والجوع، والعري حتى يلجؤوا إلى الله عزَّ وجل؛ حتى يعرفوا أنهم لن تدوم لهم دنياهم آمنين مترفين يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم طهِّر بلادنا منهم ومن كيدهم ومن مكرهم يا رب العالمين، واعلموا - أيها المسلمون - «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»(14)، فعليكم - أيها المسلمون - بالجماعة - والجماعة هي: الاجتماع على الحق - عليكم بالاجتماع على الحق، كونوا - عباد الله - أنصاراً في دين الله، كونوا إخواناً في دين الله، قال الله عزَّ وجل: +وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا" [الحجرات: 12]، ولا ينم بعضكم إلى بعض كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوعيد الشديد على النمامين، قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يدخل الجنة نمام»(15) كونوا إخوة متحابين في الله متآخين فيه - عزَّ وجل - ترجون بهذه المحبة والإخوة فضل الله عزَّ وجل، ترجون بذلك انتصاركم على أعدائكم؛ فإن الله يقول في كتابه: +وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [الأنفال: 46]، «عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(16)، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليماً: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما"ً [الأحزاب: 56]، فسمعاً لك اللهم وطاعةً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم لا تحل بيننا وبين ذلك بسوء أفعالنا وتجاوز عنا واغفر لنا وارحمنا، يا ذا الجلال والإكرام، يا غفور يا رحيم، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم كُنْ معهم ولا تكن عليهم، اللهم أعزهم بدينك وأعز دينك بهم يا رب العالمين، اللهم أتمم لإخواننا في أفغانستان، اللهم أتمم لهم النصر وألِّف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق وأعنهم على أعدائهم يا رب العالمين، اللهم +رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [البقرة: 201] .
عباد الله، +إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، +وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [العنكبوت: 45].
--------------------------
(1) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: من كره القعود على الصورة من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، رقم (5500)، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان - الباب (3941) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، ت ط ع .
(2) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده مسند بني هشام من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رقم (2546)، ت ط ع .
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز، باب: الأمر بتسوية القبر، من حديث علي بن أبي طالب رضي تعالى عنه، رقم (1609)، ت ط ع .
(4) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، رقم (4106)، أخرجه ابن ماجة -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الطب، باب: ما أنزل الله داءً إلى أنزل له شفاء، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، رقم (3429)، ت ط ع، واللفظ له .
(5) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: ما أسفل من الكعبين ففي النار، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، رقم (5341)، ت ط ع .
(6) أخرجه الطبراني -رحمه الله تعالى- في المعجم الكبير، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، في الجزء (12) صفحة 268، رقم (13077) .
(7) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب المناقب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذاً خليلاً» قاله أبو سعيد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما واللفظ له، رقم (3392)، وأخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: من جرَّ ثوبه من غير خيلاء من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، رقم (5338)، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب اللباس، باب: تحريم جرَّ الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم (3888-3889)، ت ط ع .
( أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم، رقم (10587)، وأخرجه أبو داود -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب اللباس، باب: في قدر موضع الإزار من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، رقم (3570)، ت ط ع .
(9) سبق تخرجه في الحدث 7 .
(10) سبق تخريجه في الحديث 5 .
(11) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب اللباس، باب: من جرَّ ثوبه من الخيلاء، رقم (5342) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم جر الثوب خيلاء، رقم (3893)، ت ط ع .
(12) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، من حديث أبي ذر الغفاري رضي تعالى عنه، رقم (154) ت ط ع .
(13) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب المناقب، باب: قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقصة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، من حديث عمرو بن ميمون وهو من كبار التابعين رحمه الله تعالى، رقم (3424)، ت ط ع .
(14) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، رقم (1435)، ت ط ع .
(15) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم النميمة من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، رقم (151)، ت ط ع .
(16) أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب الفتن، باب: لزوم الجماعة من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم (2023)، ت ط ع .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
منقول
زكريا محمد وحيد- عدد المساهمات : 1167
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 74
الموقع : العباسيه القاهره
مواضيع مماثلة
» أمي عـــائــــشــــة " رضوان الله عليها "
» اذكروا نعمة الله تعالى عليكم بدين الإسلام الذي هداكم له - الشيخ محمد بن صالح العثيمين
» التفكر في آيات الله الكونية وإنها أعظم دليل على وحدانية الله عز وجل ـ ذكر الله سبحانه وتعالى ومحبته يكون بالقلب واللسان والجوارح
» الوهن العضلي الشديد
» الوهن العضلي الشديد Myasthenia Gravis
» اذكروا نعمة الله تعالى عليكم بدين الإسلام الذي هداكم له - الشيخ محمد بن صالح العثيمين
» التفكر في آيات الله الكونية وإنها أعظم دليل على وحدانية الله عز وجل ـ ذكر الله سبحانه وتعالى ومحبته يكون بالقلب واللسان والجوارح
» الوهن العضلي الشديد
» الوهن العضلي الشديد Myasthenia Gravis
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى