بر الوالدين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
بر الوالدين
بر الوالدين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى وقوموا بما أوجب عليكم من حقه وحقوق عباده واعلموا أن من أعظم حقوق العباد عليكم حق الوالدين وحق الأقارب فقد جعل الله تعالى ذلك في المرتبة التي تلي حقه المتضمنة لحقه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى )(النساء: من الآية36) وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الإسراء: من الآية23) وأوصى وصية خاصة بالوالدين فقال تعالى ( ووصينا الإنسان بوالديه ) وبين الحكمة في ذلك تشجيعاً للأولاد و حسا لهم على الاعتناء بهذه الوصية فقال تعالى (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ )(لقمان: من الآية14)أي ضعفاً على ضعف ومشقة على مشقة في الحمل وعند الولادة ثم في حضنه في حجرها و إرضاعه قبل انفصاله ثم قال تعالى ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(لقمان: من الآية14)ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين مقدماً على الجهاد في سبيل الله ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال : ( الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله) وفي صحيح مسلم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله قال فهل من والديك أحد حي قال نعم بل كلاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم فتبتغي الأجر من الله قال الرجل نعم فأرجع إلى والديك فأحسن صحبتهما وفي حديث إسناده جيد أن رجلاً قال يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال هل بقي من والديك أحد قال نعم أمي قال النبي صلى الله عليه وسلم قابل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد ولقد أوصى الله تعالى بصحبة المعروف للوالدين في الدنيا وإن كانا كافرين بل وإن كانا يأمران و لدهما المسلم أن يكفر بالله لكن لا يطيعهما في الكفر فقال الله عز وجل و إن جاهداك أي الوالدان أي بذلا جهدهما على أن تشرك بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إليّ وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قدمت عليّ أمي وهي مشركة وكان أبو بكر قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء في المدينة بعد صلح الحديبية قالت أسماء فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله قدمت عليّ أمي وهي راغبة أي راغبة في أن تصلها أسماء بشيء أفاصل أمي يا رسول الله قال نعم صلي أمك فأمر بصلتها وهي كافرة أيها المسلمون إن بر الوالدين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول و الفعل والمال أما الإحسان بالقول فأن تخاطبهما باللين واللطف مستصحباً كل لفظ طيب يدل على اللين والتكريم وأما الإحسان بالفعل فأن تخدمهما ببدنك ما استطعت من قضاء الحوائج والمساعفة على شؤونهما وتيسير أمورهما وطاعتهما فيما غير ما يضرك في دينك أو ديناك والله أعلم بما يضرك في ذلك فلا تفتي نفسك في شيء لا يضرك بأنه يضرك ثم تعصيهما في ذلك وأما الإحسان بالمال فأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه طيبة به نفسك منشرحاً به صدرك غير متبع له بمنة ولا أذى بل تبذله لوالديك وأنت ترى أن المنّة لهما في ذلك في قبوله والانتفاع به وإن بر الوالدين كما يكون في حياتهما يكون أيضاً بعد مماتهما فقد أتى رجل من بني سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما و إنفاذ عهدهما أي وصيتهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما فالله أكبر ما أعظم بر الوالدين وأشمله حتى إكرام صديق الوالدين وصلته يكون من بر الوالدين وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان يسير في طريق مكة راكباً على حمار يتروح عليه إذ يتروح عليه إذا مل الركوب على الراحلة فمر به إعرابي فقال له عبد الله بن عمر ألست فلان ابن فلان قال بلى فأعطاه ابن عمر الحمار وقال أركب هذا وأعطاه عمامة كانت عليه وقال أشدد بها رأسك فقالوا لابن عمر غفر الله لك أعطيته حماراً كنت تروح عليه وعمامة تشد بها رأسك فقال ابن عمر رضي الله عنهما إن أبا هذا كان صديق لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه أيها المسلمون هذا بيان منزلة البر وعظيم مرتبته أما أثاره فهي الثواب الجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا فإن من بر بوالديه بر به أولاده ففي الصحيحين من حديث من حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين أواهم المبيت إلى غار ثلاثة كانوا في سفر فجاءهم الليل فأووا إلى غار فباتوا فيه فانطبقت عليهم صخرة فسدته عليهم فلم يستطيعوا زحزحتها فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا اغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت غبقوهما فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت قليلاً وتوسل صاحباه بصالح أعمالهما فانفرجت كلها وخرجوا يمشون وإن في بر الوالدين سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه ) أيها المسلمون إنه لا يليق بعاقل مؤمن أن يعلم فضل بر الوالدين وأثاره الحميدة في الدنيا والآخرة ثم يعرض عنه ثم يعرض عنه ولا يقوم به أو يقابله بالعقوق والقطيعة فلقد نهى الله تعالى عن عقوق الوالدين في أعظم حال يشق على الولد برهما فيها فقال تعالى ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا )(الإسراء: من الآية23) وتعلمون أيها الاخوة أن الإنسان إذا كبر ضاقت نفسه وكثرت مطلباته وصار ثقيلاً على من عنده ومع ذلك فإن الله يقول ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: من الآية23) أي طيباً ليناً وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرا أيها المسلمون إن في حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما وربما يصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما وفي حال كهذه نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه وأمره أن يقول لهما قولاً كريماً وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامها ويعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده رحمة بهما وإحسانا إليهما ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه في حال صغره ووقت حاجته فربياه صغيرا أيها الإنسان أذكر حال أمك وأنت حمل في بطنها ماذا تلقى من المشقة والتعب في جميع أحوالها ليلاً ونهاراً وتفكر في أمرها بعد أن ولدتك وهي لا تنام الليل تسهر لسهرك وتتألم لألمك وتنظفك من جميع الأذى وأنت لا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً وتأمل حال أبيك يجوب الفيافي يميناً وشمالاً يطلب الرزق لك وأنت لا تشعر بذلك إن هذا الأمر لأمر يوجب للعاقل أن لا ينساه أبدا وإن على المؤمن أن يقوم ببر والديه وأن لا ينسى إحسانهما إليه حين كان صغيرا وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك اللهم وفقنا جميعاً لبر أمهاتنا وآبائنا اللهم ارزقنا الإخلاص في ذلك لك وحسن القصد والسداد إنك جواد كريم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مبارك فيه كما يحب ربنا ويرضى سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربو بيته وقدسه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما
أما بعد
أيها المسلمون فإنه لا يشك عاقل بعد أن يسمع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله في فضيلة بر الوالدين لا يشك أن ذلك هو الخير له وإنه إن اتبعه سعد في الدنيا والآخرة وأنه إن فعل ضده فقد وقع في قول الله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23) عباد الله اتقوا الله تعالى وقوموا بما أوجب الله عليكم من البر وأنتم أيها الآباء عليكم أن تعينوا أولادكم على بركم فإن من الناس من لا يفعل الأسباب التي يكون بها بر الولد إن من الناس من يضيع أمر الله تعالى في أولاده فلا يربيهم تربية حسنة لا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن المنكر لا يهتم بهم ولا يبالي بهم أصلحوا أم فسدوا ومع ذلك فإنه يحرص على ماله الذي سوف يخلفه لهم أو لغيرهم يحرص عليه الحرص العظيم في فكره وعقله وبدنه وجميع نفسه أما أولاده فلا يهتم بهم فإذا أضاع الرجل ما أوجب الله عليه في أهله أضاع أهله ما أوجب الله عليهم فيه فلا يوفقون لبره لا في حياته ولا بعد مماته وإن من الناس أيضاً من لا يعين ولده على بره تجده يغمطه حقه ويهينه ويذله في كل مقام حتى بين أصحابه وأهله يذله ويصب عليه الذل من كل وجه فينفر بذلك الولد ويبغض والده ويتمنى أن ليس والده موجوداً ولو أمكنه أن يدعو على والده لدعى عليه لسوء ما يفعله به والده فعليكم أيها الآباء أن تقوموا لله بالقسط معتدلين في أحوالكم مع أولادكم ذكوراً كانوا أو إناثا حتى تعينوهم على برهم حتى تعينوهم على طاعة الله فيكم وبذلك تحصل لكم الحياة السعيدة وتحصل لكم و يحصل لكم الاجتماع على طاعة الله وتكونوا عائلة طيبة يحب بعضها ، بعضها بعضا اللهم إني أسألك أن توفقنا للقيام بما يجب علينا من بر أمهاتنا وآباءنا وأن تعيننا على إصلاح أولادنا وأهلنا وتربيتهم تربية صالحة ينشئون عليها حتى يحمدونا أحياء وأمواتا واعلموا أيها الاخوة إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة عليكم بالجماعة عليكم بالجماعة وهي الاجتماع على دين الله ظاهراً وباطنا بالإيمان والعمل الصالح و التواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ؛ شذ في النار واعلموا أن الله أمركم بأمر بداء فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) فسمعا لكم اللهم وطاعة سمعاً لك اللهم وطاعة اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطناً اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين اللهم أرضى عن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أصلح أحوال المسلمين اللهم أصلح ولاتهم اللهم هيئ لهم ولاة صالحين يقودونهم بكتابك وسنة نبيك اللهم هيئ لولاة أمور المؤمنين بطانة صالحة تحثهم على الخير وترغبهم فيه وتزهدهم في الشر وتحذرهم منه اللهم إنا نسألك أن تبعد عن المسلمين كل ولاة طغاة لا يرحمونهم ولا يخافونك فيهم يا رب العالمين اللهم أبعد عن المسلمين كل ولاة طغاة لا يرحمونهم ولا يخافونك فيهم يا رب العالمين وأبدلهم بولاة صالحين يرفقون بخلقك وينصحون لهم إنك على كل شيء قدير اللهم أنصر إخواننا المجاهدين في أفغانستان اللهم خذ بأيديهم إلى النصر والعز اللهم أذل أعداءهم يا رب العالمين اللهم أخذل أعداءهم يا رب العالمين اللهم أرنا فيهم ما تقر به أعيننا إنك على كل شيء قدير ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عباد الله إن الله يـأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وافوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
منقول
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى وقوموا بما أوجب عليكم من حقه وحقوق عباده واعلموا أن من أعظم حقوق العباد عليكم حق الوالدين وحق الأقارب فقد جعل الله تعالى ذلك في المرتبة التي تلي حقه المتضمنة لحقه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى )(النساء: من الآية36) وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(الإسراء: من الآية23) وأوصى وصية خاصة بالوالدين فقال تعالى ( ووصينا الإنسان بوالديه ) وبين الحكمة في ذلك تشجيعاً للأولاد و حسا لهم على الاعتناء بهذه الوصية فقال تعالى (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ )(لقمان: من الآية14)أي ضعفاً على ضعف ومشقة على مشقة في الحمل وعند الولادة ثم في حضنه في حجرها و إرضاعه قبل انفصاله ثم قال تعالى ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(لقمان: من الآية14)ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين مقدماً على الجهاد في سبيل الله ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال : ( الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله) وفي صحيح مسلم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله قال فهل من والديك أحد حي قال نعم بل كلاهما قال النبي صلى الله عليه وسلم فتبتغي الأجر من الله قال الرجل نعم فأرجع إلى والديك فأحسن صحبتهما وفي حديث إسناده جيد أن رجلاً قال يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه قال هل بقي من والديك أحد قال نعم أمي قال النبي صلى الله عليه وسلم قابل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد ولقد أوصى الله تعالى بصحبة المعروف للوالدين في الدنيا وإن كانا كافرين بل وإن كانا يأمران و لدهما المسلم أن يكفر بالله لكن لا يطيعهما في الكفر فقال الله عز وجل و إن جاهداك أي الوالدان أي بذلا جهدهما على أن تشرك بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إليّ وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قدمت عليّ أمي وهي مشركة وكان أبو بكر قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء في المدينة بعد صلح الحديبية قالت أسماء فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله قدمت عليّ أمي وهي راغبة أي راغبة في أن تصلها أسماء بشيء أفاصل أمي يا رسول الله قال نعم صلي أمك فأمر بصلتها وهي كافرة أيها المسلمون إن بر الوالدين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول و الفعل والمال أما الإحسان بالقول فأن تخاطبهما باللين واللطف مستصحباً كل لفظ طيب يدل على اللين والتكريم وأما الإحسان بالفعل فأن تخدمهما ببدنك ما استطعت من قضاء الحوائج والمساعفة على شؤونهما وتيسير أمورهما وطاعتهما فيما غير ما يضرك في دينك أو ديناك والله أعلم بما يضرك في ذلك فلا تفتي نفسك في شيء لا يضرك بأنه يضرك ثم تعصيهما في ذلك وأما الإحسان بالمال فأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه طيبة به نفسك منشرحاً به صدرك غير متبع له بمنة ولا أذى بل تبذله لوالديك وأنت ترى أن المنّة لهما في ذلك في قبوله والانتفاع به وإن بر الوالدين كما يكون في حياتهما يكون أيضاً بعد مماتهما فقد أتى رجل من بني سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما و إنفاذ عهدهما أي وصيتهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما فالله أكبر ما أعظم بر الوالدين وأشمله حتى إكرام صديق الوالدين وصلته يكون من بر الوالدين وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان يسير في طريق مكة راكباً على حمار يتروح عليه إذ يتروح عليه إذا مل الركوب على الراحلة فمر به إعرابي فقال له عبد الله بن عمر ألست فلان ابن فلان قال بلى فأعطاه ابن عمر الحمار وقال أركب هذا وأعطاه عمامة كانت عليه وقال أشدد بها رأسك فقالوا لابن عمر غفر الله لك أعطيته حماراً كنت تروح عليه وعمامة تشد بها رأسك فقال ابن عمر رضي الله عنهما إن أبا هذا كان صديق لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه أيها المسلمون هذا بيان منزلة البر وعظيم مرتبته أما أثاره فهي الثواب الجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا فإن من بر بوالديه بر به أولاده ففي الصحيحين من حديث من حديث ابن عمر في قصة الثلاثة الذين أواهم المبيت إلى غار ثلاثة كانوا في سفر فجاءهم الليل فأووا إلى غار فباتوا فيه فانطبقت عليهم صخرة فسدته عليهم فلم يستطيعوا زحزحتها فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا اغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت غبقوهما فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت قليلاً وتوسل صاحباه بصالح أعمالهما فانفرجت كلها وخرجوا يمشون وإن في بر الوالدين سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه ) أيها المسلمون إنه لا يليق بعاقل مؤمن أن يعلم فضل بر الوالدين وأثاره الحميدة في الدنيا والآخرة ثم يعرض عنه ثم يعرض عنه ولا يقوم به أو يقابله بالعقوق والقطيعة فلقد نهى الله تعالى عن عقوق الوالدين في أعظم حال يشق على الولد برهما فيها فقال تعالى ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا )(الإسراء: من الآية23) وتعلمون أيها الاخوة أن الإنسان إذا كبر ضاقت نفسه وكثرت مطلباته وصار ثقيلاً على من عنده ومع ذلك فإن الله يقول ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: من الآية23) أي طيباً ليناً وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرا أيها المسلمون إن في حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما وربما يصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما وفي حال كهذه نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه وأمره أن يقول لهما قولاً كريماً وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامها ويعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده رحمة بهما وإحسانا إليهما ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه في حال صغره ووقت حاجته فربياه صغيرا أيها الإنسان أذكر حال أمك وأنت حمل في بطنها ماذا تلقى من المشقة والتعب في جميع أحوالها ليلاً ونهاراً وتفكر في أمرها بعد أن ولدتك وهي لا تنام الليل تسهر لسهرك وتتألم لألمك وتنظفك من جميع الأذى وأنت لا تملك لنفسك ضراً ولا نفعاً وتأمل حال أبيك يجوب الفيافي يميناً وشمالاً يطلب الرزق لك وأنت لا تشعر بذلك إن هذا الأمر لأمر يوجب للعاقل أن لا ينساه أبدا وإن على المؤمن أن يقوم ببر والديه وأن لا ينسى إحسانهما إليه حين كان صغيرا وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك اللهم وفقنا جميعاً لبر أمهاتنا وآبائنا اللهم ارزقنا الإخلاص في ذلك لك وحسن القصد والسداد إنك جواد كريم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مبارك فيه كما يحب ربنا ويرضى سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربو بيته وقدسه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما
أما بعد
أيها المسلمون فإنه لا يشك عاقل بعد أن يسمع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله في فضيلة بر الوالدين لا يشك أن ذلك هو الخير له وإنه إن اتبعه سعد في الدنيا والآخرة وأنه إن فعل ضده فقد وقع في قول الله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23) عباد الله اتقوا الله تعالى وقوموا بما أوجب الله عليكم من البر وأنتم أيها الآباء عليكم أن تعينوا أولادكم على بركم فإن من الناس من لا يفعل الأسباب التي يكون بها بر الولد إن من الناس من يضيع أمر الله تعالى في أولاده فلا يربيهم تربية حسنة لا يأمرهم بمعروف ولا ينهاهم عن المنكر لا يهتم بهم ولا يبالي بهم أصلحوا أم فسدوا ومع ذلك فإنه يحرص على ماله الذي سوف يخلفه لهم أو لغيرهم يحرص عليه الحرص العظيم في فكره وعقله وبدنه وجميع نفسه أما أولاده فلا يهتم بهم فإذا أضاع الرجل ما أوجب الله عليه في أهله أضاع أهله ما أوجب الله عليهم فيه فلا يوفقون لبره لا في حياته ولا بعد مماته وإن من الناس أيضاً من لا يعين ولده على بره تجده يغمطه حقه ويهينه ويذله في كل مقام حتى بين أصحابه وأهله يذله ويصب عليه الذل من كل وجه فينفر بذلك الولد ويبغض والده ويتمنى أن ليس والده موجوداً ولو أمكنه أن يدعو على والده لدعى عليه لسوء ما يفعله به والده فعليكم أيها الآباء أن تقوموا لله بالقسط معتدلين في أحوالكم مع أولادكم ذكوراً كانوا أو إناثا حتى تعينوهم على برهم حتى تعينوهم على طاعة الله فيكم وبذلك تحصل لكم الحياة السعيدة وتحصل لكم و يحصل لكم الاجتماع على طاعة الله وتكونوا عائلة طيبة يحب بعضها ، بعضها بعضا اللهم إني أسألك أن توفقنا للقيام بما يجب علينا من بر أمهاتنا وآباءنا وأن تعيننا على إصلاح أولادنا وأهلنا وتربيتهم تربية صالحة ينشئون عليها حتى يحمدونا أحياء وأمواتا واعلموا أيها الاخوة إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فعليكم بالجماعة عليكم بالجماعة عليكم بالجماعة وهي الاجتماع على دين الله ظاهراً وباطنا بالإيمان والعمل الصالح و التواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ؛ شذ في النار واعلموا أن الله أمركم بأمر بداء فيه بنفسه فقال جل من قائل عليما (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) فسمعا لكم اللهم وطاعة سمعاً لك اللهم وطاعة اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطناً اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم أرضى عن خلفائه الراشدين وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين اللهم أرضى عن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أصلح أحوال المسلمين اللهم أصلح ولاتهم اللهم هيئ لهم ولاة صالحين يقودونهم بكتابك وسنة نبيك اللهم هيئ لولاة أمور المؤمنين بطانة صالحة تحثهم على الخير وترغبهم فيه وتزهدهم في الشر وتحذرهم منه اللهم إنا نسألك أن تبعد عن المسلمين كل ولاة طغاة لا يرحمونهم ولا يخافونك فيهم يا رب العالمين اللهم أبعد عن المسلمين كل ولاة طغاة لا يرحمونهم ولا يخافونك فيهم يا رب العالمين وأبدلهم بولاة صالحين يرفقون بخلقك وينصحون لهم إنك على كل شيء قدير اللهم أنصر إخواننا المجاهدين في أفغانستان اللهم خذ بأيديهم إلى النصر والعز اللهم أذل أعداءهم يا رب العالمين اللهم أخذل أعداءهم يا رب العالمين اللهم أرنا فيهم ما تقر به أعيننا إنك على كل شيء قدير ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عباد الله إن الله يـأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وافوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
منقول
زكريا محمد وحيد- عدد المساهمات : 1167
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 74
الموقع : العباسيه القاهره
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى