تفسير آية الكرسي
صفحة 1 من اصل 1
تفسير آية الكرسي
وَرَدَ في صحيحِ البُخاريِّ من حديثِ أبيِّ بنِ كَعْبٍ أنَّ حَبيبَكُمْ رسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَ في ءايَةِ الكُرسيِّ: "إنَّهَا سيدَةُ ءايِ القُرءانِ" أيْ أنَّهَا أفضلُ ءايَةٍ في القُرءانِ الكريمِ كُلِّهِ وذلكَ لما احتَوَتْ عليهِ من المعاني العَظيمةِ التي فيها تَوحيدُ اللهِ تباركَ وتعالى وإثباتُ علمِ اللهِ وأنَّهُ لا أحدَ سواهُ يحيطُ بكلِ شىءٍ عِلماً وإثباتُ أنَّ اللهَ تَعَالى لا يَعْتَريهِ عجزٌ ولا سِنَةٌ ولا نومٌ
وها هُوَ أَحَدُ العارفينَ باللهِ يُسألُ عنِ الخالِقِ فإذْ بِهِ يُجيبُ السائِلَ:
"إنْ سَأَلتَ عن ذَاتِهِ فليسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ، وإنْ سَأَلتَ عن صِفَاتِهِ فَهُوَ أَحَدٌ صَمَدٌ لم يلدْ ولم يُولَدْ ولم يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وإن سَأَلتَ عنِ اسمِهِ فهُوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلا هُوَ عَالمُ الغيبِ والشّهادةِ هُوَ الرّحمنُ الرّحيمُ وإنْ سَأَلتَ عن فِعْلِهِ فكُلَّ يَومٍ هو في شأنٍ" أي أنَّ اللهَ يُغيرُ أحوالَ العبادِ بِمَشيئَتِهِ الأزليّةِ التي لا تَتَغَيرُ. فما هِيَ هذِهِ المعاني العظيمَةُ التي تحويها ءايَةُ الكُرسيِ المبارَكَةُ: اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ أيْ أنَّهُ لا شىء يَسْتَحِقُ العبادَةَ سِوى الله والعِبَادَةُ هيَ نِهَايَةُ التَّذَلُلِ للهِ وغَايَةُ الخُشُوعِ والخُضُوعِ للهِ تَعَالى. يَقُولُ ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالى: لا إلهَ إلا أنَا فاعْبُدُون; وَيَقُولُ أيضاً: ;وإلَهُكُمْ إلهٌ واحِدٌ لا إلهَ إلا هُوَ الرّحمنُ الرحيمُ ; وَوُجُودُ العالَمِ دليلٌ على وُجُودِ اللهِ فإنّكَ إذا تَأَمَّلتَ هذا العَالَمَ بِبَصَرِكَ لَوَجَدتَهُ كالبيتِ المبنيِ الذي فيهِ كُلُّ ما يحتاجُ إليهِ سَاكِنُهُ من ءالَةٍ وعَتَادٍ، فالسّماءُ مَرفُوعةٌ كالسّقفِ والأرضُ مَبْسُوطَةٌ كالبِساطِ والنُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كالمصابيحِ وَصُنُوفُ الدّوابِّ مُسَخَّرَةٌ مُسْتَعمَلَةٌ في المَرَافِقِ، فَمَا أُحيلاهُ من قوْلٍ:
فَيَا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإلهُ
وَأَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وفي كُلِّ شىءٍ لَهُ ءايَةٌ
تَدُلُّ على أنّهُ واحِدُ
أمَّا مَعْنَى ;الحيُّ القيُّومُ;: فَذَلِكَ وَصْفٌ وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفسَهُ فَهُوَ حيٌّ وحَيَاتُهُ أَزَليّةٌ لا بِدايَةَ لها وَأَبَديةٌ لا نِهايَةَ لها ليسَتْ حَيَاةً مُركَّبَةً من رُوحٍ وَدَمٍ وَجَسَدٍ، إذْ أنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ كَحَيَاةِ المخْلوقَاتِ. والقَيّومُ معناها أنّ اللهَ مُسْتَغْنٍ عنْ كُلِ شىءٍ وَكُلُّ شَىءٍ يَحْتاجُ إليهِ واللهُ لا يَنْتَفِعُ بِطاعَةِ الطَّائعينَ ولا يَتَضَرَّرُ بِمَعْصِيَةِ العُصاةِ وكُفْرِ الكافِرِينَ وإنّمَا مَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَليْها وَلَن يَضُرَّ اللهَ شيئاً وما اللهُ بِظَلامٍ للعَبيدِ قَالَ تَعَالى: يَا أيُّها النّاسُ أنتُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ واللهُ هُوَ الغَنيُّ الحميدُ ; فَهَذِهِ العَوَالِمُ بما فيها من مَلائِكَةٍ وإنْسٍ وجِنٍ لا تَستَغْني عنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. ولَيسَ مَعنى القَيّومِ كَمَا يَظُنُّ البعضُ ممن لا فِقْهَ لَهُم أنَّ اللهَ قائِمٌ فينا أيْ داخِلٌ فينا يَحُلُّ في الأجسادِ تَنَزهَ اللهُ عمّا يقولُ الكافِرُونَ. وَأمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالى: ;لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ; أَيْ لا يُصيبُهُ نُعاسٌ ولا نَوْمٌ لأنَّهُ مُنـزّهٌ عن التَّطَورِ والتَغَيرِ والانفِعالِ فالذي يُوصَفُ بالنُّعاسِ والنّومِ يوصَفُ بالتَّعَبِ والمَرَضِ والموتِ ومنْ كانَ كَذَلكَ لا يَكُونُ خَالقاً بلْ يَكُونُ مَخْلوقاً. أمَّا عَنْ قَوْلِهِ: ;لَهُ مَا في السَّمَواتِ وما في الأرضِفَمَعْنَاهُ أنَّ اللهَ مَالِكُ كُلِ ما في السّمواتِ والأرضِ من ذوي العقولِ كالملائِكَةِ والإنْسِ والجِنِ وغيرِ ذوي العُقُولِ كالبَهَائِمِ والجَمَادَاتِ فاللهُ سبحانَهُ وتعالى هُوَ مَالِكُ المُلكِ، هُوَ المالِكُ الحقيقيُّ لكلِّ هَذا العَالَمِ وَهُوَ الحَاكِمُ المُطلقُ والآمِرُ النّاهي الذي لا ءامِرَ لَهُ ولا نَاهٍ. وَلْنَنْظُرْ في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ;مَنْ ذا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذْنِهِ; مُوقِنِينَ أنَّهُ لا أَحَدَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلا إنْ أَذِنَ اللهُ لهُ، ففي يومِ القِيامَةِ الملائِكَةُ يَشفَعُونَ لبعْضِ عُصَاةِ المُسلِمِينَ وَكَذَلكَ يَشْفَعُ الأنبياءُ والشُّهَدَاءُ والعُلَمَاءُ العَامِلُونَ لأهْلِ الكَبَائِرِ مِنَ المُسلِمِينَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "شَفَاعتي لأهْلِ الكبائِرِ مِنْ أُمَّتي" رَوَاهُ بنُ مَاجَه وَغَيرُهُ. أمّا الكُفَّارُ فلا يَشْفَعُ لهُمْ أَحَدٌ بِدَلالَةِ قَوْلِهِ تَعَالى: ;وَلاَ يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارتَضَى; أيْ لا يَشْفَعُ الشُّفَعَاءُ إلا لِمَنْ مَاتَ على الإيمانِ.
مَعْشَرَ الإخوَةِ المُؤمِنينَ، كُلُّنَا يَعْلَمُ أنَّ اللهَ لا يخْفَى عَليْهِ دَبِيبُ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ في اللّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَهَا هِيَ آيَةُ الكُرسيِّ تُؤكّدُ أنّ اللهَ لا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ْ يَقُولُ تَعَالى: ;يَعْلَمُ ما بينَ أيْديهمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ولا يُحيطُونَ بِشىءٍ مِنْ عِلمِهِ إلاّ بما شاءَ; أيْ أنَّ أهْلَ السَّمَواتِ الملائِكَةَ وَأَهلَ الأرضِ جَميعَهُم من إنسٍ وجِنٍ لا يُحيطُونَ بِشىءٍ من عِلمِ اللهِ إلاّ بما شاءَ أيْ إلاّ بالقَدْرِ الذي عَلَّمَهُمُ اللهُ إيّاهُ قالَ تَعَالى: ;عَلَّمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ;. وما هُوَ معشرَ الإِخوةِ المؤمنينَ تفسيرُ قولِهِ: ;وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السّمواتِ والأَرْضَ;: الكُرسيُّ هُوَ جِرمٌ عَظيمٌ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالى وَهُوَ تحتَ العرشِ بِمَثَابَةِ ما يَضَعُ راكِبُ السّريرِ قَدَمَهُ، وَقَدْ قالَ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "ما السّمَواتُ السبْعُ في جنبِ الكُرسيِّ إلاّ كَحَلَقَةٍ في أرضٍ فَلاةٍ وَفَضْلُ العرْشِ على الكُرسيِّ كَفَضْلِ الفَلاةِ عَلَى الحَلَقَةِ" وَالفَلاةُ هِيَ الأرضُ البريّةُ أي أنَّ السّمَواتِ السّبْعَ بالنّسبَةِ إلى الكُرسيِ كَحَلَقَةٍ مُلقاةٍ في أرضٍ بريّةٍ والكُرسيُّ بالنّسبَةِ إلى العرشِ كَحَلَقَةٍ مُلقاةٍ في أرضٍ بَريّةٍ. واللهُ تَعَالى لا يُصِيبُهُ تَعَبٌ لأنَّهُ مُنَزَّهٌ عن كُلِّ صِفَاتِ المَخْلُوقينَ وَيُؤيّدُ ذلكَ قَوْلُ اللهِ: ;وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَاأيْ أنَّ حِفظَ السّمَواتِ والأرضِ لا يُتعِبُ اللهَ تَعَالى لأنَّ كُلَّ الأحياءِ تَدْبيرُهَا هَيّنٌ على اللهِ فَكَمَا أنَّ خَلقَ الذَرَّةِ هَيّنٌ على اللهِ كَذَلِكَ خَلْقُ السّمواتِ السّبعِ والكُرسيِ والعرشِ هَيّنٌ على اللهِ، فاللهُ لا يَصْعُبُ عليهِ شىءٌ ولا يُصيبُهُ عَجْزٌ واحتياجٌ. أمّا اليهودُ لعنَةُ اللهِ عَلَيهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ بَعدَ خَلْقِ السَّمَواتِ والأرضِ تَعِبَ واستَلْقَى على قَفَاهُ يومَ السَّبتِ والعياذُ باللهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَضَلالِهِمْ وَقَد رَدَّ اللهُ تَعَالى عليْهِم في القُرءانِ الكريمِ إذْ قالَ: ;وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَواتِ والأرضَ وما بَينَهُمَا في سِتَّةِ أيّامٍ وما مَسَّنَا مِنْ لغوبٍ أَيْ وما مَسَّنَا مِنْ تَعَبٍ فَسُبْحَانَ اللهِ الذي وَصَفَ نَفْسَهُ بالعَلِيِّ العَظيمِ فَقَالَ: ;وَهُوَ العَلِيُّ العَظيمُ;: أيْ أنَّ اللهَ أَعلى منْ كُلِّ شىءٍ قدراً وأعْظَمُ مِنْ كُلِ عظيمٍ وأقوى من كُلِ قويٍ وَأَقدَرُ من كُلِ قَادِرٍ. وَلَيسَ مَعنى العَلِيِّ أنَّ اللهَ عالي المكانِ لأنّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنِ الجِهَةِ والمَكَانِ قالَ تَعَالى: ;لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَرُوِيَ أنّ الإمامَ الشّافِعِيَّ قَالَ: "واعْلَمُوا أنَّ الباري لا مَكَانَ لَهُ" أيْ أنَّ اللهَ لا يَحتَاجُ إلى مَكَانٍ وَهُوَ موجودٌ بِلا مَكَانٍ. أقُولُ قَوْلي هَذا وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ.
__________________منقول
وها هُوَ أَحَدُ العارفينَ باللهِ يُسألُ عنِ الخالِقِ فإذْ بِهِ يُجيبُ السائِلَ:
"إنْ سَأَلتَ عن ذَاتِهِ فليسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ، وإنْ سَأَلتَ عن صِفَاتِهِ فَهُوَ أَحَدٌ صَمَدٌ لم يلدْ ولم يُولَدْ ولم يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وإن سَأَلتَ عنِ اسمِهِ فهُوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلا هُوَ عَالمُ الغيبِ والشّهادةِ هُوَ الرّحمنُ الرّحيمُ وإنْ سَأَلتَ عن فِعْلِهِ فكُلَّ يَومٍ هو في شأنٍ" أي أنَّ اللهَ يُغيرُ أحوالَ العبادِ بِمَشيئَتِهِ الأزليّةِ التي لا تَتَغَيرُ. فما هِيَ هذِهِ المعاني العظيمَةُ التي تحويها ءايَةُ الكُرسيِ المبارَكَةُ: اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ أيْ أنَّهُ لا شىء يَسْتَحِقُ العبادَةَ سِوى الله والعِبَادَةُ هيَ نِهَايَةُ التَّذَلُلِ للهِ وغَايَةُ الخُشُوعِ والخُضُوعِ للهِ تَعَالى. يَقُولُ ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالى: لا إلهَ إلا أنَا فاعْبُدُون; وَيَقُولُ أيضاً: ;وإلَهُكُمْ إلهٌ واحِدٌ لا إلهَ إلا هُوَ الرّحمنُ الرحيمُ ; وَوُجُودُ العالَمِ دليلٌ على وُجُودِ اللهِ فإنّكَ إذا تَأَمَّلتَ هذا العَالَمَ بِبَصَرِكَ لَوَجَدتَهُ كالبيتِ المبنيِ الذي فيهِ كُلُّ ما يحتاجُ إليهِ سَاكِنُهُ من ءالَةٍ وعَتَادٍ، فالسّماءُ مَرفُوعةٌ كالسّقفِ والأرضُ مَبْسُوطَةٌ كالبِساطِ والنُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كالمصابيحِ وَصُنُوفُ الدّوابِّ مُسَخَّرَةٌ مُسْتَعمَلَةٌ في المَرَافِقِ، فَمَا أُحيلاهُ من قوْلٍ:
فَيَا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإلهُ
وَأَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وفي كُلِّ شىءٍ لَهُ ءايَةٌ
تَدُلُّ على أنّهُ واحِدُ
أمَّا مَعْنَى ;الحيُّ القيُّومُ;: فَذَلِكَ وَصْفٌ وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفسَهُ فَهُوَ حيٌّ وحَيَاتُهُ أَزَليّةٌ لا بِدايَةَ لها وَأَبَديةٌ لا نِهايَةَ لها ليسَتْ حَيَاةً مُركَّبَةً من رُوحٍ وَدَمٍ وَجَسَدٍ، إذْ أنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ كَحَيَاةِ المخْلوقَاتِ. والقَيّومُ معناها أنّ اللهَ مُسْتَغْنٍ عنْ كُلِ شىءٍ وَكُلُّ شَىءٍ يَحْتاجُ إليهِ واللهُ لا يَنْتَفِعُ بِطاعَةِ الطَّائعينَ ولا يَتَضَرَّرُ بِمَعْصِيَةِ العُصاةِ وكُفْرِ الكافِرِينَ وإنّمَا مَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَليْها وَلَن يَضُرَّ اللهَ شيئاً وما اللهُ بِظَلامٍ للعَبيدِ قَالَ تَعَالى: يَا أيُّها النّاسُ أنتُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ واللهُ هُوَ الغَنيُّ الحميدُ ; فَهَذِهِ العَوَالِمُ بما فيها من مَلائِكَةٍ وإنْسٍ وجِنٍ لا تَستَغْني عنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. ولَيسَ مَعنى القَيّومِ كَمَا يَظُنُّ البعضُ ممن لا فِقْهَ لَهُم أنَّ اللهَ قائِمٌ فينا أيْ داخِلٌ فينا يَحُلُّ في الأجسادِ تَنَزهَ اللهُ عمّا يقولُ الكافِرُونَ. وَأمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالى: ;لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَومٌ; أَيْ لا يُصيبُهُ نُعاسٌ ولا نَوْمٌ لأنَّهُ مُنـزّهٌ عن التَّطَورِ والتَغَيرِ والانفِعالِ فالذي يُوصَفُ بالنُّعاسِ والنّومِ يوصَفُ بالتَّعَبِ والمَرَضِ والموتِ ومنْ كانَ كَذَلكَ لا يَكُونُ خَالقاً بلْ يَكُونُ مَخْلوقاً. أمَّا عَنْ قَوْلِهِ: ;لَهُ مَا في السَّمَواتِ وما في الأرضِفَمَعْنَاهُ أنَّ اللهَ مَالِكُ كُلِ ما في السّمواتِ والأرضِ من ذوي العقولِ كالملائِكَةِ والإنْسِ والجِنِ وغيرِ ذوي العُقُولِ كالبَهَائِمِ والجَمَادَاتِ فاللهُ سبحانَهُ وتعالى هُوَ مَالِكُ المُلكِ، هُوَ المالِكُ الحقيقيُّ لكلِّ هَذا العَالَمِ وَهُوَ الحَاكِمُ المُطلقُ والآمِرُ النّاهي الذي لا ءامِرَ لَهُ ولا نَاهٍ. وَلْنَنْظُرْ في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ;مَنْ ذا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذْنِهِ; مُوقِنِينَ أنَّهُ لا أَحَدَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلا إنْ أَذِنَ اللهُ لهُ، ففي يومِ القِيامَةِ الملائِكَةُ يَشفَعُونَ لبعْضِ عُصَاةِ المُسلِمِينَ وَكَذَلكَ يَشْفَعُ الأنبياءُ والشُّهَدَاءُ والعُلَمَاءُ العَامِلُونَ لأهْلِ الكَبَائِرِ مِنَ المُسلِمِينَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "شَفَاعتي لأهْلِ الكبائِرِ مِنْ أُمَّتي" رَوَاهُ بنُ مَاجَه وَغَيرُهُ. أمّا الكُفَّارُ فلا يَشْفَعُ لهُمْ أَحَدٌ بِدَلالَةِ قَوْلِهِ تَعَالى: ;وَلاَ يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارتَضَى; أيْ لا يَشْفَعُ الشُّفَعَاءُ إلا لِمَنْ مَاتَ على الإيمانِ.
مَعْشَرَ الإخوَةِ المُؤمِنينَ، كُلُّنَا يَعْلَمُ أنَّ اللهَ لا يخْفَى عَليْهِ دَبِيبُ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ في اللّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ وَهَا هِيَ آيَةُ الكُرسيِّ تُؤكّدُ أنّ اللهَ لا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ْ يَقُولُ تَعَالى: ;يَعْلَمُ ما بينَ أيْديهمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ولا يُحيطُونَ بِشىءٍ مِنْ عِلمِهِ إلاّ بما شاءَ; أيْ أنَّ أهْلَ السَّمَواتِ الملائِكَةَ وَأَهلَ الأرضِ جَميعَهُم من إنسٍ وجِنٍ لا يُحيطُونَ بِشىءٍ من عِلمِ اللهِ إلاّ بما شاءَ أيْ إلاّ بالقَدْرِ الذي عَلَّمَهُمُ اللهُ إيّاهُ قالَ تَعَالى: ;عَلَّمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ;. وما هُوَ معشرَ الإِخوةِ المؤمنينَ تفسيرُ قولِهِ: ;وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السّمواتِ والأَرْضَ;: الكُرسيُّ هُوَ جِرمٌ عَظيمٌ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالى وَهُوَ تحتَ العرشِ بِمَثَابَةِ ما يَضَعُ راكِبُ السّريرِ قَدَمَهُ، وَقَدْ قالَ رَسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: "ما السّمَواتُ السبْعُ في جنبِ الكُرسيِّ إلاّ كَحَلَقَةٍ في أرضٍ فَلاةٍ وَفَضْلُ العرْشِ على الكُرسيِّ كَفَضْلِ الفَلاةِ عَلَى الحَلَقَةِ" وَالفَلاةُ هِيَ الأرضُ البريّةُ أي أنَّ السّمَواتِ السّبْعَ بالنّسبَةِ إلى الكُرسيِ كَحَلَقَةٍ مُلقاةٍ في أرضٍ بريّةٍ والكُرسيُّ بالنّسبَةِ إلى العرشِ كَحَلَقَةٍ مُلقاةٍ في أرضٍ بَريّةٍ. واللهُ تَعَالى لا يُصِيبُهُ تَعَبٌ لأنَّهُ مُنَزَّهٌ عن كُلِّ صِفَاتِ المَخْلُوقينَ وَيُؤيّدُ ذلكَ قَوْلُ اللهِ: ;وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَاأيْ أنَّ حِفظَ السّمَواتِ والأرضِ لا يُتعِبُ اللهَ تَعَالى لأنَّ كُلَّ الأحياءِ تَدْبيرُهَا هَيّنٌ على اللهِ فَكَمَا أنَّ خَلقَ الذَرَّةِ هَيّنٌ على اللهِ كَذَلِكَ خَلْقُ السّمواتِ السّبعِ والكُرسيِ والعرشِ هَيّنٌ على اللهِ، فاللهُ لا يَصْعُبُ عليهِ شىءٌ ولا يُصيبُهُ عَجْزٌ واحتياجٌ. أمّا اليهودُ لعنَةُ اللهِ عَلَيهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللهَ بَعدَ خَلْقِ السَّمَواتِ والأرضِ تَعِبَ واستَلْقَى على قَفَاهُ يومَ السَّبتِ والعياذُ باللهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَضَلالِهِمْ وَقَد رَدَّ اللهُ تَعَالى عليْهِم في القُرءانِ الكريمِ إذْ قالَ: ;وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَواتِ والأرضَ وما بَينَهُمَا في سِتَّةِ أيّامٍ وما مَسَّنَا مِنْ لغوبٍ أَيْ وما مَسَّنَا مِنْ تَعَبٍ فَسُبْحَانَ اللهِ الذي وَصَفَ نَفْسَهُ بالعَلِيِّ العَظيمِ فَقَالَ: ;وَهُوَ العَلِيُّ العَظيمُ;: أيْ أنَّ اللهَ أَعلى منْ كُلِّ شىءٍ قدراً وأعْظَمُ مِنْ كُلِ عظيمٍ وأقوى من كُلِ قويٍ وَأَقدَرُ من كُلِ قَادِرٍ. وَلَيسَ مَعنى العَلِيِّ أنَّ اللهَ عالي المكانِ لأنّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنِ الجِهَةِ والمَكَانِ قالَ تَعَالى: ;لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ وَرُوِيَ أنّ الإمامَ الشّافِعِيَّ قَالَ: "واعْلَمُوا أنَّ الباري لا مَكَانَ لَهُ" أيْ أنَّ اللهَ لا يَحتَاجُ إلى مَكَانٍ وَهُوَ موجودٌ بِلا مَكَانٍ. أقُولُ قَوْلي هَذا وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ.
__________________منقول
زكريا محمد وحيد- عدد المساهمات : 1167
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 74
الموقع : العباسيه القاهره
مواضيع مماثلة
» تفسير آية -2- من سورة فاطر
» تفسير سورة الذاريات
» عشر فوائد من تفسير قوله عز وجل: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ,
» تفسير سورة الكهف عبد الرحمن بن ناصر السعدي. رحمه الله
» تفسير سورة الذاريات
» عشر فوائد من تفسير قوله عز وجل: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ,
» تفسير سورة الكهف عبد الرحمن بن ناصر السعدي. رحمه الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى