ابو مسلم الخراساني و الدعوة العباسية...دراسة و تحليل
صفحة 1 من اصل 1
ابو مسلم الخراساني و الدعوة العباسية...دراسة و تحليل
من الشخصيات المهمة التي لعبت دورا كبيرا في إنجاح الدعوة العباسية في مراحلها الأخيرة القائد أبو مسلم الخراساني. فمن هو ؟ و ما الدور الذي لعبه؟ و لماذا انتهى مصيره إلى القتل على يد أبو جعفر المنصور؟
و هل كان يستحق القتل في رأيك؟ و لماذا؟
و قد قمت بدراسة هذا السؤال من مجموعة مصادر و مراجع:
اولا: المصادر:
1.مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية و فيه أخبار العباس و ولده، بيروت، 1997.
2.الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ج6، بيروت، 1989.
3.ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج5، بيروت ، 1965.
4.الذهبي، تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير و الأعلام، بيروت، 1987.
5. المسعودي، مروج الذهب و معادن الجوهر، ج3، 1996.
ثانيا: المراجع:
1.حسين عطوان، الدعوة العباسية: تاريخ و تطور، بيروت، 1984.
2.شاكر مصطفى، دولة بني العباس، ج1، الكويت، 1973.
3.محمد بركات البيلي، الدعوة العباسية، القاهرة، 1986.
4.عبدالمنعم عبدالحميد سلطان، أضواء جديدة على تاريخ الدولة العباسية، الإسكندرية، 2003.
و كانت نتيجة البحث ما يلي:
أولا: من هو أبو مسلم الخراساني و كيف بدا أمره في الدعوة العباسية؟
من يتصفح مصادر التاريخ الإسلامي التي تتناول أحداث القرن الثاني هجري و خصوصا أمر الدعوة العباسية، يلاحظ الاختلاف في نسب أبى مسلم الخراساني و اصله، و يترتب على هذا أيضا الاختلاف في المراجع التي تتناول دراسة الدعوة العباسية إذ لا يمكن الحديث عن الدعوة العباسية دون ذكر أبو مسلم لما له من اثر كبير في إنجاح هذه الدعوة.
و لا يتسع المجال هنا للتفصيل في هذا الأمر و جمع خيوطه إذ أن المحور الأساسي في هذه الورقة هو دور أبى مسلم في الدعوة لبني العباس و قتله على يد أبى جعفر المنصور.
و لكن حسبي أن أشير إلى نقاط أساسية فيما يذكر عن أبى مسلم الخراساني:
يقال انه من أهل اصبهان ولد في منزل عيسى بن معقل العجلي بالكوفة ، و كان رجلا من أهل اليمن يسمى عثمان بن بشار بن سدوس بن جود زاده رافق إدريس بن معقل بعد الحج و عندما سأله إدريس عن مقصده قال يريد قزوين فاتحا و معه جارية له فتركها عند إدريس بن معقل و ذهب مع نفر من الرجال لقزوين و عندما عادوا ابلغوه انه مات، وقد وضعت الجارية أبا مسلم و ماتت في نفاسها، فدفع إدريس الوليد إلى بيت من خدمه فتولوا تربيته و رضاعته حتى بلغ فسموه إبراهيم .
و يذكر الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام أن أبا مسلم ولد سنة مائة للهجرة و أول ظهور له بمرو كان سنة تسع و عشرين أي 129 ﻫ و قد صفت له ممالكها في سنتين و أربعة شهور . و يذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب أن أبا مسلم قتل فــــي شعــــبان سنة ست و ثلاثين 136 ﻫ ، في حين أن الطبري يذكر انه قتل عام 137 ﻫ .
أما عن اتصال أبو مسلم الخراساني بالإمام إبراهيم فهو أيضا مختلف في كيفيته، فسواء أكان سبب بدء أمره عند الإمام عندما أرسله عيسى بن إدريس إليه بعدما استأمنه قوما من شيعة بني العباس و هم في الحبس في ولاية خالد القسري ، آو عندما قام بعض نقباء الدعوة مثل سليمان بن كثير و قحطبة بن شبيب بزيارة بعض من شيعة بني العباس المحبوسين بالكوفة و رأوا أبو مسلم فأخذوه معهم إلى الإمام إبراهيم لما لمسوا فيه عقلا و أدبا ، فالحقيقة الجلية بالرغم من هذا الاختلاف أن أمر أبو مسلم و إشراكه في الدعوة العباسية بدا في عهد الإمام إبراهيم و أن كانت بعض المصادر تذكر أن هذا حدث في عهد أبيه محمد بن علي.
و يبدأ أمر أبو مسلم الخراساني في الدعوة العباسية بعد ذلك و يتغير اسمه من إبراهيم بن عثمان إلى عبدالرحمن بن مسلم سواء أكان أبو مسلم هو الذي غير اسمه بناء على طلب الإمام إبراهيم آو أن الإمام إبراهيم هو الذي اختار له اسمه و كنيته .
ثانيا: دخول أبى مسلم في أمر الدعوة بخراسان و دوره في إنجاح الثورة العباسية:
قدم نقباء الدعوة بخراسان إلى الإمام إبراهيم يسألونه أن يوجه رجلا يقوم بأمر خراسان، فذكر سليمان بن كثير و قحطبة بن شبيب فرفضا، و ذكر أبو مسلم فاطريا عليه و وصفا له جزالته، فاستخار الله و وجهه إلى خراسان .
لكن اقف هنا وقفة قصيرة إذ هناك أمر ملفت للانتباه، ألا و هو: المصادر تذكر أن الإمام إبراهيم ذكر الأمر لسليمان بن كثير فرفض و كذلك لقحطبة بن شبيب، ففعل مثل ساقه، و عندما ذكر أبا مسلم اطريا عليه. فإذا كانا اطريا عليه و استحسناه، فماذا وقف سليمان بن كثير في بداية الأمر معاديا لابي مسلم حتى أن مصنف أخبار الدولة العباسية يذكر انه حذفه بالدواة فشجه أي أصابه و أسال دمه ؟!!
نعود إلى حيث كنا، بعدما اختار الإمام إبراهيم أبو مسلم لأمر الدعوة بخراسان أرسل معه كتاب إلى الشيعة بخراسان يوصيهم أن يلقوا إليه بزمام أمورهم و يكونوا تحت إمرته، و يبدأ دور أبو مسلم في إنجاح الدعوة و نشرها و حسبي هنا أن أوجز أهم ما قام به في نقاط أساسية:
1.اتخذ أبو مسلم قرية سفيذنج بخراسان مقرا له و اهتم بترسيخ الدعوة و تنظيمها و وجه كل رجل من أصحابه إلى ناحية من خراسان حتى اتبعه عدد كبير من الناس و بذلك فشت الدعوة بخراسان.
2.استغل أبو مسلم احتدام العصبية القبلية بين اليمانية و الربعية و بين المضرية و لعل هذا يؤكد أن من أهم أسباب اختيار أبى مسلم هو عدم انتمائه لأي من القبائل العربية الأمر الذي يقطع العاطفة القبلية و يحول دون تأثيرها في تحقيق أهداف الدعوة. و ابرز الأمثلة على استغلال أبو مسلم للعصبية القبلية هو ما كان بين نصر بن سيار و علي بن جديع الكرماني و كيف تمكن من فك الجموع التي تكاتفت ضده للتخلص من خطره عليهم، و حيث نجح في تفرقتهم أعلن الثورة العباسية و بدا التخلص ممن يخالفونه و ينازعونه واحدا تلو الآخر، فتخلص من أهم العوائق التي كانت تحول دون نجاح الدعوة العباسية .
3.قبل انضمام العبيد و أفتى بتحريرهم حتى كثر عددهم و وسع بذلك قاعدة جيشه و شيعة الدعوة .
4.اخذ أبو مسلم في عام 129 ﻫ يرتب لإعلان الدعوة بناء على كتاب من الإمام إبراهيم، فجمع النقباء و الدعاة ليتأهبوا لإظهار الدعوة آخر شهر رمضان من نفس العام .
5. قتل أبو مسلم عبدالله بن معاوية الجعفري الذي ثار بالكوفة عام 127 ﻫ و الذي التحق به عدد من الشخصيات العباسية المهمة، و عندما فشلت الثورة هرب عبدالله بن معاوية إلى خراسان حيث اعتقله أبو مسلم ثم قتله عام 129 ﻫ حيث كان يشكل خطرا على الدعوة العباسية لأنه ينادي بنفس شعارها و هو " الدعوة للرضا من آل البيت" و تخلص بذلك من خطر كبير .
6.و ه أبو مسلم المرار بن انس الضبي للقضاء على أبى سلمة الخلال عندما حاول نقل أمر الدعوة العباسية إلى العلويين. و قام المرار بذلك عندما انصرف أبو سلمة من منزل أبى العباس عائدا إلى بيته فاعترضه و قتله .
7.قضى على ثورة عبدالله بن علي عم المنصور، و ذلك عندما دعي إلى نفسه من كان معه من أهل الشام، فبايعوه حيث زعم أن أبى العباس جعل الخلافة من بعده لمن انتدب لقتل مروان بن محمد، و لما ، علم المنصور بذلك سير إليه أبو مسلم فكان له معه حروب كثيرة دامت ستة اشهر و كان النصر حليف أبو مسلم عام 137 ﻫ.
ثالثا: لماذا انتهى مصير أبو مسلم الخراساني إلى القتل على يد أبى جعفر المنصور؟!:
لعلنا نتعجب لماذا انتهى مصير أبو مسلم إلى القتل و قد كان له ما كان من الأمر في إنجاح الدعوة العباسية، لكن قد يزيد تعجبنا أن أدركنا أن نجاح أبو مسلم المميز في إظهار الدعوة هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى مقتله!!!!! كيف ذلك؟؟!
الأمر الذي كان يضعه العباسيون نصب أعينهم هو خطورة ازدياد نفوذ الرؤساء المحليين و قد رأى أبو جعفر المنصور بأعينه ما كان لنفوذ أبى مسلم بخراسان عندما أرسله أبو العباس عقب مقتل أبا سلمة الخلال ، و لولا نفوذ أبى مسلم لما قامت للدعوة قائمة في خراسان و انطلاقها منها، فكيف يتركه أبو جعفر المنصور و قد أدرك ما له من نفوذ يتيح له أن يستقل بخراسان متى أراد ذلك و الجيش تحت طاعته و إمرته؟! و بذل أبو جعفر المنصور جل جهده ليثني أبو مسلم عن ذهابه إلى خراسان بعدما قضى على عبدالله بن علي، فكتب إليه انه ولاه مصر و الشام و هما من درر المناطق الإسلامية، فلم يستجب أبو مسلم و خرج مشاقا يريد خراسان و كان هذا السبب الرئيسي و المباشر لمقتله بجانب الأسباب الثانوية التي سيرد ذكرها، و قام اثر ذلك تبادل المراسلات بين أبى جعفر المنصور و بين أبى مسلم الخراساني يشوبها الترغيب و الثناء تارة و الترهيب و التوعد تارة أخرى و يضاف إلى هذا الرسل بين المنصور و الخراساني و ما كان لهم من دور في إقناع أبو مسلم أن يرجع إلى المنصور معتذرا، حيث انتهى الأمر بذهاب الخراساني إلى المنصور بعدما استخدمت الحيلة و الخداع في إحضاره . و قتله المنصور و تم له ما أراد من التخلص من نفوذ أبى مسلم بعدما كان له دور بارز في إنجاح الدعوة و محاربة خصومها. و كان أبى مسلم و هو يؤسس دعائم الدعوة يحفر قبره بيده في آن واحد!!!
أما عن الأسباب الثانوية فنذكر منها:
1.كان المنصور في حياة أخيه يتوقع أن يجله أبو مسلم و يقدم له الولاء و الطاعة، لكن أبو مسلم كان يتجه بهذا الإجلال و الولاء للإمام فقط .
2.كتب أبو مسلم إلى العباس يستأذنه في الحج سنة 136 ﻫ فأذن له و كتب أبو العباس إلى أخيه أبى جعفر يطلب منه أن يستأذنه في الحج فان أبا جعفر أن كان بمكة لن يطمع أبو مسلم أن يتقدمه، و لكن مع هذا عندما انصرف الناس عن الموسم تقدمه و لم ينتظره .
3.عندما تلقى أبو مسلم خبر وفاة أبى العباس و استخلاف أبا جعفر كتب أبو مسلم لأبى جعفر يعزيه بوفاة أبى العباس و لم يهنئه بالخلافة.
4.قال أبو مسلم الخراساني لأبى جعفر المنصور: أن عبدالجبار بن عبدالرحمن و صالح بن هيثم يعيباني فاحبسهما، فقال أبو جعفر: عبدالجبار على شرطي و كان على شرط أبى العباس من قبلي و صالح بن هيثم أخو أمير المؤمنين بالرضاعة فلم اكن لأحبسهما لظنك بهما، قال أبو مسلم: أراهما آثر عندك مني، فغضب أبو جعفر .
5.قال الحسن بن قحطبة إلى مسلم بن المغيرة أن يبلغ أبا أيوب انه ارتاب بأمر أبى مسلم الخراساني فيأتيه كتاب أمير المؤمنين فيقراه ثم يلوي شدقه و يرمي بالكتاب إلى أبى نصر فيقراه و يضحكان استهزاء .
رابعا: التعقيب و التعليق:
من خلال استعراض دور أبو مسلم الخراساني و ما كان له من فضل في إنجاح الدعوة العباسية بخراسان و تثبيت الدعوة بعد موت أبى العباس، ما كان يستحق القتل على ما أبلاه في سبيل الدعوة و لكن خوف الخلفاء العباسيون من ازدياد نفوذ أي من الرؤساء المحليين و احتمال استقلاله بما له من نفوذ، أعماهم عن الصواب و الرشد.
فأمام إصرار أبو مسلم على ولاية خراسان لم يجد المنصور بدا من الخلاص منه خصوصا و انه تخلص به من أعداء الدولة في أهم مراحلها، و من وجهة نظري ما أرى أن أبو مسلم كان مخطئا عندما أراد ولاية خراسان فالأمر بالنسبة له ولاية تولى أمرها و كان له فيها من الأثر الكبير و بناها على يديه ولاية عباسية، فماذا ينتظر منه؟! أن يتركها بعدما بناها؟؟؟ و كان له من الجهد في توحيدها؟؟!! أن أي منا أن بذل جهد و لو يسير في موقع ما لن يتنازل عنه مهما عرض عليه ، فما هو الحال في ولاية كبيرة كان هو أميرها و أن لم يعلن ذلك رسميا؟؟
و لكن هذا المفهوم لا يستقيم و سياسة أبى جعفر المنصور الذي لا يريد أن يسمح لأحد أن يمد نفوذه لأي من مناطق الدولة العباسية و زاد الأمر سوءا ما كان بينهم من مشاحنات ثانوية و حسابات شخصية طغت على رؤياهم.
منقول
زكريا محمد وحيد- عدد المساهمات : 1167
تاريخ التسجيل : 16/10/2010
العمر : 74
الموقع : العباسيه القاهره
مواضيع مماثلة
» مصر فى عهد الدولة العباسية
» الخلافة العباسية في القاهرة
» العلاقة بين أمويي الأندلس والخلافة العباسية
» عين السيدة زبيدة العباسية زوجة الرشيد
» الإعجاز العلمي لغة الدعوة في عصر العلم
» الخلافة العباسية في القاهرة
» العلاقة بين أمويي الأندلس والخلافة العباسية
» عين السيدة زبيدة العباسية زوجة الرشيد
» الإعجاز العلمي لغة الدعوة في عصر العلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى